للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمْثَالِهِ إلَى هَذَا الْمَقَامِ أَمَرَهُمْ بِالْفَرْقِ الثَّانِي وَهُوَ: أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ؛ وَمَحْبُوبِ اللَّهِ وَمُرْضِيهِ؛ وَمَسْخُوطِهِ وَمَكْرُوهِهِ؛ وَهُوَ مَشْهَدُ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى الْجُنَيْد وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُنَيْد مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ وَالْكَلِمَةِ الْأُخْرَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: التَّوْحِيدُ إفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنْ الْقِدَمِ. فَهَذَا رَدٌّ عَلَى الِاتِّحَادِيَّةِ وَالْحُلُولِيَّةِ مِنْهُمْ وَتِلْكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقِفُ عِنْدَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ مِنْهُمْ وَمَا أَكْثَرُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهَذَيْنِ مِنْهُمْ. ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا الْفَرْقِ لَكِنْ لِنَفْسِهِ وَهَوَاهُ لَا عِبَادَةً وَطَاعَةً لِلَّهِ فَهَذَا مِثْلُ مَنْ يُجَاهِدُ وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ لِهَوَاهُ كَالْمُقَاتِلِ شَجَاعَةً وَحَمِيَّةً وَرِيَاءً وَذَاكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ وَلَا يُجَاهِدُ هَذَا شَبِيهٌ بِالرَّاهِبِ وَذَاكَ شَبِيهٌ بِمَنْ لَمْ يَطْلُبْ إلَّا الدُّنْيَا ذَاكَ مُبْتَدِعٌ وَهَذَا فَاجِرٌ. وَقَدْ كَثُرَ فِي الْمُتَزَهِّدَةِ وَالْمُتَفَقِّرَةِ الْبِدَعُ وَفِي الْمُعْرِضِينَ عَنْ ذَلِكَ طَلَبُ الدُّنْيَا وَطُلَّابُ الدُّنْيَا لَا يُعَارِضُونَ تَارِكَهَا إلَّا لِأَغْرَاضِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مُبْتَدِعَةً وَأُولَئِكَ لَا يُعَارِضُونَ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا إلَّا لِأَغْرَاضِهِمْ فَتَبْقَى الْمُنَازَعَاتُ لِلدُّنْيَا