وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي الْقَصْدِ وَالْحُبِّ وَالْإِرَادَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَحْبُوبَ أَوْ الْمَكْرُوهَ الْمُبْغِضَ لَا يُتَصَوَّرُ حُبُّهُ وَلَا بُغْضُهُ إلَّا بَعْدَ نَوْعٍ مِنْ الشُّعُورِ بِهِ وَالشُّعُورُ فِي الْمَوْجُودِ أَصْلٌ؛ وَفِي الْمَعْدُومِ فَرْعٌ فَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ الَّذِي يَتْبَعُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُحِبُّ مَا يُلَائِمُهُ وَيُنَاسِبُهُ وَلَهُ بِهِ لَذَّةٌ وَنَعِيمٌ وَنَفْسُهُ لَا تُلَائِمُ الْعَدَمَ الْمَحْضَ وَالنَّفْيَ الصِّرْفَ؛ وَلَا تُنَاسِبُهُ؛ وَلَا لَهُ فِي الْعَدَمِ الْمَحْضِ لَذَّةٌ وَلَا سُرُورٌ وَلَا نِعْمَةٌ وَلَا نَعِيمٌ وَلَا خَيْرَ أَصْلًا؛ وَلَا فَائِدَةٌ قَطْعًا؛ بَلْ مَحَبَّةُ الْعَدَمِ الْمَحْضِ كَعَدَمِ الْمَحَبَّةِ وَاللَّذَّةُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ كَعَدَمِ اللَّذَّةِ وَمَا لَيْسَ شَيْءٌ أَصْلًا كَيْفَ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْ لَذَّةٌ أَوْ خَيْرٌ؟ وَلَكِنَّ نَفْسَهُ تُحِبُّ مَا لَهَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلَذَّةٌ مِثْلَ مَحَبَّةِ اللَّبَنِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ؛ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْذِيَةِ ثُمَّ لِمَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنْ مَنْكُوحٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ مَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنْ شَرَفٍ وَرِيَاسَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ مَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنْ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَيُحِبُّ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّةَ مِنْ اللِّبَاسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْخَيْرِ الَّذِي يَقِيهِ عَدُوَّهُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْآدَمِيِّينَ الْمُؤْذِينَ؛ وَالدَّوَابِّ الْمُؤْذِيَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُحِبُّ وُجُودَ مَا يَنْفَعُهُ وَعَدَمَ مَا يَضُرُّهُ. وَالنَّافِعُ لَهُ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الضَّارُّ لَهُ فَتَارَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute