لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} فَمَنْ لَمْ يُرِدْ الدَّارَ الْآخِرَةَ قَوْلًا وَعَمَلًا وَإِيثَارًا وَمَحَبَّةً وَرَغْبَةً وَإِنَابَةً فَلَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا بَلْ هُوَ كَافِرٌ مَلْعُونٌ؛ مُشَتَّتٌ مُعَذَّبٌ لَكِنْ قَدْ يَنْتَفِعُ بِزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا بِنَوْعِ مِنْ الرَّاحَةِ الْعَاجِلَةِ وَهُوَ زُهْدٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَقَدْ يَسْتَضِرُّ بِمَا يَفُوتُهُ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ زَاهِدٍ فَلَا رَاحَةَ لَهُ فِي هَذَا. فَمَنْ زَهِدَ لِطَلَبِ رَاحَةِ الدُّنْيَا أَوْ رَغِبَ لِطَلَبِ لَذَّاتِهَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي عَمَلٍ صَالِحٍ وَلَا هُوَ مَحْمُودٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ يَتَرَجَّحُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً فِي مَصْلَحَةِ الدُّنْيَا كَمَا تَتَرَجَّحُ صِنَاعَةٌ عَلَى صِنَاعَةٍ وَتِجَارَةٌ عَلَى تِجَارَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ لَذَّاتِ الدُّنْيَا لَا تُنَالُ غَالِبًا إلَّا بِنَوْعِ مِنْ التَّعَبِ فَقَدْ تَتَرَجَّحُ تَارَةً لَذَّةُ التَّرْكِ عَلَى تَعَبِ الطَّلَبِ وَقَدْ يَتَرَجَّحُ تَعَبُ الطَّلَبِ عَلَى لَذَّةِ التَّرْكِ فَلَا حَمْدَ عَلَى تَرْكِ الدُّنْيَا لِغَيْرِ عَمَلِ الْآخِرَةِ كَمَا لَا حَمْدَ لِطَلَبِهَا لِغَيْرِ عَمَلِ الْآخِرَةِ. فَثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا لَا حَمْدَ فِيهِ كَمَا لَا حَمْدَ عَلَى الرَّغْبَةِ فِيهَا وَإِنَّمَا الْحَمْدُ عَلَى إرَادَةِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَالذَّمُّ عَلَى إرَادَةِ الدُّنْيَا الْمَانِعَةِ مِنْ إرَادَةِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وَلِهَذَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِتَسْمِيَةِ هَذَا: الطَّالِبَ الْمُرِيدَ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute