فَإِنَّ أَوَّلَ الْخَيْرِ إرَادَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} " فَثَبَتَ أَنَّ الزُّهْدَ الْوَاجِبَ هُوَ تَرْكُ مَا يَنْفَعُ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ إرَادَةِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَالزُّهْدَ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ مَا يَشْغَلُ عَنْ الْمُسْتَحَبِّ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ وَالصِّدِّيقِينَ. فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالزُّهْدِ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْلَا كَوْنُ الدُّنْيَا تَشْغَلُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ لَمْ يُشْرَعْ الزُّهْدُ فِيهَا بَلْ كَانَ يَكُونُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءً أَوْ يُرَجَّحُ هَذَا أَوْ يُرَجَّحُ هَذَا تَرَجُّحًا دُنْيَوِيًّا. الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ أَنَّ شَخْصَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَيُرِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخَرُ زَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَكَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مُؤْمِنًا مَحْمُودًا وَالثَّانِي كَافِرًا مَلْعُونًا مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ زَاهِدٌ فِي الدُّنْيَا وَالْأَوَّلَ طَالِبٌ لَهَا لَكِنْ امْتَازَ الْأَوَّلُ بِفِعْلِ مَأْمُورٍ مَعَ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ وَالثَّانِي لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ. فَثَبَتَ أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ إرَادَةِ الْآخِرَةِ يَنْفَعُ وَالزُّهْدَ بِدُونِ فِعْلِ هَذَا الْمَأْمُورِ لَا يَنْفَعُ. الثَّالِثُ: الْمَحْمُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ إرَادَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْمَذْمُومُ إنَّمَا هُوَ مَنْ تَرَكَ إرَادَةَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَاشْتَغَلَ بِإِرَادَةِ الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute