للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْهَا فَأَمَّا مُجَرَّدُ مَدْحِ تَرْكِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا تَنْظُرْ إلَى كَثْرَةِ ذَمِّ النَّاسِ الدُّنْيَا ذَمًّا غَيْرَ دِينِيٍّ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَذُمُّونَهَا لِعَدَمِ حُصُولِ أَغْرَاضِهِمْ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَصْفُ لِأَحَدِ قَطُّ وَلَوْ نَالَ مِنْهَا مَا عَسَاهُ أَنْ يَنَالَ وَمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ حِبْرَةً إلَّا امْتَلَأَتْ عِبْرَةً فَالْعُقَلَاءُ يَذُمُّونَ الْجُهَّالَ الَّذِينَ يَرْكَنُونَ إلَيْهَا وَيَظُنُّونَ بَقَاءَ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ وَتَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ فِيهَا وَهُمْ مَعَ هَذَا يَحْتَاجُونَ إلَى مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ مِنْهَا وَأَكْثَرُهُمْ طَالِبٌ لِمَا يَذُمُّهُ مِنْهَا وَهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ ذَمِّهِمْ لَهَا ذَمٌّ دُنْيَوِيٌّ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ الدُّنْيَوِيِّ كَمَا يَذُمُّ الْعُقَلَاءُ التِّجَارَةَ وَالصِّنَاعَةَ الَّتِي لَا رِبْحَ فِيهَا بَلْ فِيهَا تَعَبٌ وَكَمَا تَذُمُّ مُعَاشَرَةَ مَنْ يَضُرُّك وَلَا يَنْفَعُك فِي التَّزْوِيجِ بِسَيِّئَةِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَعُودُ مَضَرَّتُهَا وَمَنْفَعَتُهَا إلَّا إلَى الدُّنْيَا أَيْضًا. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ فِي الدُّنْيَا مَذْمُومٌ إذَا لَمْ يَكُنْ نَافِعًا فِي الْآخِرَةِ كَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ الَّتِي لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهَا وَلَا رَسُولُهُ وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي الدُّنْيَا مَذْمُومٌ إذَا كَانَ ضَارًّا فِي الْآخِرَةِ كَنَيْلِ اللَّذَّاتِ وَإِدْرَاكِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَكَذَلِكَ اللَّذَّاتُ وَالشَّهَوَاتُ الْمُبَاحَاتُ إذَا حَصَلَ لِلْعَبْدِ بِهَا وَهَنًا وَتَأْخِيرًا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَطَلَبِهَا وَمَا كَانَ مُضِرًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهُوَ شَرٌّ وَشِدَّةٌ وَمَا كَانَ نَافِعًا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مَحْمُودٌ وَإِنْ كَانَ ضَارًّا فِي الدُّنْيَا كَإِذْهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ