عِلَّتَانِ كَانَ الْحُكْمُ أَقْوَى وَأَوْكَدَ مِمَّا إذَا انْفَرَدَتْ إحْدَاهُمَا؛ وَلِهَذَا إذَا جَاءَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْ الْأَئِمَّةِ كَانَ ذَلِكَ مَذْكُورًا لِبَيَانِ تَوْكِيدِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَقُوَّتِهِ كَقَوْلِ أَحْمَد فِي بَعْضِ مَا يَغْلُظُ تَحْرِيمُهُ: هَذَا كَلَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ وَتَقْوِيَتِهِ وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ هَلْ يَتَفَاوَتُ فِي نَفْسِهِ؟ فَيَكُونُ إيجَابٌ أَعْظَمَ مِنْ إيجَابٍ؛ وَتَحْرِيمٌ أَعْظَمَ مِنْ تَحْرِيمٍ؟ وَهَذَا فِيهِ أَيْضًا نِزَاعٌ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: تَجْوِيزُ تَفَاوُتِ ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْهُ طَائِفَة مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ عَقْلٌ أَكْمَلَ مِنْ عَقْلٍ؟ وَهُوَ يُشْبِهُ النِّزَاعَ فِي أَنَّ التَّصْدِيقَ وَالْمَعْرِفَةَ الَّتِي فِي الْقَلْبِ هَلْ تَتَفَاوَتُ؟ وَقَدْ ذُكِرَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ الْمُخَالِفُونَ لِلْمُرْجِئَةِ: أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَتَفَاوَتُ وَيَتَفَاضَلُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ صِفَاتِ الْحَيِّ مِنْ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ؛ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَرَاهَةِ؛ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ؛ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالنِّزَاعُ فِي هَذَا كَالنِّزَاعِ فِي جَوَازِ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ مِثْلَ سوادين وَحَلَاوَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ السوادين أَقْوَى وَإِحْدَى الْحَلَاوَتَيْنِ أَقْوَى لَكِنْ هَلْ يُقَالُ: إنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْمَحَلِّ سوادان وَحَلَاوَتَانِ؟ أَوْ هُوَ سَوَادٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ؟ وَهَذَا أَيْضًا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute