ويبحثون فيمن فاتته لعذر أو لغير عذر إذا أراد أن يتدارك ذلك.
فمنهم من يقول: يصلي.
والآخرون يقولون: إن شاء ترك ولا شيء عليه؛ لأن الواجب قد أدي بغيره.
والقائلون: إنه يصلي يختلفون، فمنهم من يقول: يصلي ركعتين، ومنهم من يقول: يصلي أربعاً، ويستدلون بحديث علي المذكور، وهو موقوف عليه، وقياساً -وإن كان القياس فيه نقاش- على الجمعة، فإن فاتته الجمعة يصلي أربعاً، ولكن هل الأربع هذه بدل الجمعة، أم الأربع هي الظهر؟ والجواب: الأربع هي الظهر، فلا علاقة لها بالجمعة.
وجاء في الحديث:(من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى) ؛ لأنه أدركها مستكملة شروط الجمعة في مسجد، ومع الإمام في جماعة، وفي وقتها، (ومن لم يدرك ركعة فليصل أربعاً) ، فمن لم يدرك ركعة كاملة، بأن يدرك الإمام بعد الاعتدال من الركعة الثانية بعد أن يرفع ظهره، فعليه أن يصلي أربعاً، وإن كان عند الأحناف أن من أدرك أي جزء من الركعة الثانية فإنه يصلي ركعتين، فإذا أدرك الإمام وهو في التشهد، وكبر تكبيرة الإحرام قبل أن يسلم الإمام فإنه بعد سلام الإمام يأتي بركعتين فقط، والأئمة الثلاثة يقولون: إذا لم يدرك ركعة كاملة، بأن يدرك ركوعها فإنه يأتي بأربع، فلو جاء والإمام قد رفع رأسه وقال:(سمع الله لمن حمده) ، فوقف في الصف وكبر فعليه أن يأتي بأربع؛ لأنه لم يدرك ركعة كاملة.
فقال البعض: من فاتته صلاة العيد يصلي أربعاً، قياساً على من فاتته الجمعة.
ولكن يجاب عن هذا بأن القياس كائن مع الفارق؛ لأن من فاتته الجمعة انتقل إلى فرض آخر وهو الظهر، والظهر أربع، والأربع التي يصليها ليست عوضاً عن الجمعة، إنما هي فرض مستقل بذاته، وهنا يأتي المؤلف ليبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين ركعتين، ولذا فالجمهور على أن من فاتته صلاة العيد وأراد أن يصلي فإنه يجزئه أيضاً ركعتان، سواءٌ أصلاها في المصلى أم ذهب إلى المسجد، أم صلاها في بيته، فكل ذلك يجزئه، والأمر فيه سعة.
والله تعالى أعلم.
ومما يتعلق بمن فاتته صلاة العيد أنه إذا كان معه آخرون هل يصلون جماعة أم فرادى؟ وهل يأتون بالخطبة كما جاء بها الإمام في صلاة العيد في المصلى أم لا؟ والجواب عند العلماء أنهم إن كانوا قليلين لا تقوم بهم الجمعة، أو كانوا متخلفين أشتاتاً، وأرادوا أن يصلوا صلاة العيد، أو يقضوا صلاة العيد فلا يعيدون الخطبة، ولو أن الإمام خرج إلى المصلى وهناك من ضعفة الناس من استخلف لهم ليصلي بهم فإن المستخلف لا يعيد الخطبة، فيصلي بلا خطبة؛ لأن الخطبة أساساً مع الإمام، وهؤلاء ليس لهم عيد مستقل، إنما هم أهل أعذار يصلون عوضاً عما فاتهم مع الإمام؛ لأنهم لو تركوا الصلاة بالكلية فليسوا آثمين؛ لأن صلاة العيد ليست فرضاً عينياً كالظهر والعصر، وغاية ما تكون أنها فرض كفائي، والفرض الكفائي قد أدي بمن خرج مع الإمام، وعلى هذا فمن فاتته صلاة العيد، وأراد أن يصلي فليست عليه خطبة، سواءٌ أكان وحده أم كان معه جماعة.