قال المصنف رحمه الله: [وعن أنس رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لـ عبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير في سفر من حكة كانت بهما) ، متفق عليه] .
الاستثناء الأول في أطراف الثياب أربعة أصابع، وهذا الحديث رخص في الثوب كله.
والرَخْص: الشيء الناعم، والرخيص الناعم من الثياب، ورخص البنان.
لين الأطراف، وسعر رخيص: لين هين كل إنسان يقدر عليه، والرخصة: هي التهوين من شدة، فالصوم واجب لكن المريض المسافر يشق عليه، فرخص له في الفطر، أي: لين له، وكذلك الميتة محرمة، لكن قد يضطر الإنسان إليها للإبقاء على حياته، فرخص وهون له، فالرخصة تكون من ممنوع ومن محرم؛ لأن الحرمة منع، والمنع شدة، فالرخصة تكون من شيء محرم فكونه رخص يبقى الأصل عدم الترخيص، وهو العزم والمنع.
فرخص صلى الله عليه وسلم لـ ابن عوف والزبير في قميص الحرير في سفر من حكة، وحكة الجسم الآن تسمى (حساسية) أو (حرارة) أو (التهاباً في الجلد) ، وما هي خاصية الحرير؟ قالوا: طبيعة الحرير حيوانية رطبة، وهو لين، ويعالج بالحرير الجلدُ، فهو ألطف ما يكون استعمالاً بدون حائل لجلد الإنسان، فمن كان عنده حكة إذا لبس القطن جاءته الحكة، وإذا لبس الصوف كانت الحكة أكثر وأكثر، فالذي يناسبه الحرير، فمن أجل علة الحكة رخص له ما كان محرماً، وليست العلة كونه في سفر، ولكن الترخيص في السفر أحوج منه في الحضر؛ لأن الذي في الحضر يمكن أن يحصل على علاج، ويمكن أن يحصل على شيء يخفف عنه هذا، ويمكن أن ينزع القميص ويقعد في بيته، لكن هذا في سفر وفي حركة، فهو أحوج منه حينما يكون في غير سفر.
فيرخص الممنوع، وهذا وجدناه في جميع أبوب الفقه، ويقولون: المشقة تجلب التيسير.
ففي العبادات ينتقل إلى التيمم عند التضرر باستعمال الماء، والانتقال إلى الجلوس في الصلاة عند عدم استطاعة القيام، والانتقال إلى صيام عدة أيام أخر إذا كان في مرض أو سفر.
وهكذا نجد الرخصة تأتي عند الشدة وعدم الاستطاعة، مع بقاء التحريم؛ لأن الحكم قائم، وإذا انتفى الحكم يكون هذا نسخاً لما تقدم، وجاء هذا بديلاً عنه، ولكن الرخصة إباحة الشيء بخطاب جديد مع بقاء الحكم الأول على ما هو عليه، وتكون الرخصة مؤقتة بحالتها وبأسبابها وبدواعيها، فإذا انتفت الحكة انتفى جواز لبس القميص الحرير، والله تعالى أعلم.