قوله:(وفي العشاء بوسطه) ، إذا اتفقنا على أن أول المفصل سورة الحجرات، فإن وسطه من عم إلى الضحى، هذا من وسط المفصل.
(وفي الصبح بطواله) وطواله طوال المفصل، إن قلنا: من الصافات أو غافر أو القتال أو الفتح كل هذا من طواله، يعني من السور الطويلة التي هي في أوائل المفصل.
إذاً: هناك مغايرة، وعلى هذا التقسيم فأطول صلاة هي الصبح، لماذا؟ يقول بعض العلماء: الصبح يكون عند قيام الناس من النوم، والناس في غفلة، فإذا قرأ الفاتحة و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ثم سلم فالذي في بيته يكون لم يتوضأ بعد، لكن إذا قرأ من طوال المفصل فتوجد فرصة للذي يتأخر؛ عله إن لم يدرك الأولى أن يدرك الثانية، فقالوا: إطالة القراءة بغية أن يدرك المتأخر الصلاة، ولكن أعتقد -والله تعالى أعلم- أن الصبح ليست وقت عمل، وهو أرجى أوقات العبادة، حتى أن علماء الاجتماع يقولون: أقوى ما يكون الذهن والذاكرة في الصباح؛ لأنك تنام ليلاً طويلاً وتستريح عن التفكير، والعقل في راحة، وكلما أخذ الجسم راحته كلما كانت جميع أعضائه أقوى على ما يقوم به فيما بعد؛ لأنها في فترة راحة؛ فإذا استيقظ من النوم يكون أقوى وأشد استعداداً لتلقي كل خير، ولذا يوصون الطالب إذا أراد أن يحفظ الدرس أن يحفظه بعد صلاة الصبح؛ فالمذاكرة والفهم يكون في وقت خال، وفي جو هادئ.
فإذا كان الأمر كذلك فيكون صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الصبح؛ لأن الناس لديهم استعداد أكثر لسماع القرآن، وهذا بخلاف العصر ويقولون أيضاً: وقت الظهر وقت القيلولة، وكانوا يفطرون في الضحى، ويقيلون قبل الصلاة، فيقومون أيضاً على نشاط، ولكن صلاة العصر أكثر الناس في أعمالهم، فهم في حالة انشغال فيخفف عليهم، وإذا جاء إلى العشاء يعقبها النوم وليس هناك عمل، فكان هذا مراعاة لحالات الناس لئلا يشق أو يضيق عليهم.
إذاً: يذكر لنا أبو هريرة بصلاة هذا الرجل أن الصلاة في الصبح بطوال المفصل، والصلاة في المغرب بقصارها، والعشاء بأوسطها، وهكذا يقولون في تفاوت القراءة ما بين صلاة وأخرى.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه:(ما صليت وراء أحد أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا) أخرجه النسائي بإسناد صحيح.
وهذا مما يعطي الحديث حكم الرفع، وكأن أبا هريرة يقول: هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: [وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور) متفق عليه] .