قال ابن عمر: عُرضت فرفضت ثم عُرضت فقبلت، ما هذا العرض؟ وما الذي جاء به حتى يعرض؟ غلام عمره أربع عشرة سنة ويأتي ويزامل الرجال، ليس في نزهة أو رحلة، أو حفلة، بل في قتال تتطاير فيه الرءوس! انظروا كيف كان الشباب في ذلك الوقت! والآن صار الشباب شباب الموضة، وشباب التوليتة، لا تنسوا -يا إخوان- شباب الرعيل الأول، عمره أربع عشرة سنة ويزاحم الرجال، ويحمل السيف في القتال.
ولما استعرض النبي صلى الله عليه وسلم أهل بدر، كان غلام يمشي على أطراف أصابع قدميه، فقال له أخوه: لماذا تفعل هذا يا أخي؟! قال: أخشى أن يراني رسول الله فيتصاغرني فيردني، وأنا أحب الشهادة، سبحان الله! يتطاول على أصابع قدميه لئلا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيراً فيقول له: ارجع، أنت لا تصلح للجهاد، فيحتال للقتال، واستشهد فعلاً في غزوة بدر.
هذه النوعية -يا إخوان- من أين نأتي بها؟ هل من الشباب في هذا الوقت عشرة في المائة، أو خمسة في المائة مثل تلك النوعية؟ لا، لأنهم نشئوا أول ما نشئوا على الأخلاق الفاضلة، وعلى الفروسية، وهؤلاء نشئوا أول ما نشئو على الحضارة والمدنية.
نريد أن نغرس في نفوس أبنائنا أصالة الإسلام، وأن نوجد آثاره في حياتهم العملية، فهذا ابن عمر رضي الله تعالى عنه يعرض يوم أحد، وتعرفون كم كان عدد الكفار، والنسبة بين الطرفين، فيرد لصغره! وعرض رافع بن خديج وسمرة بن جندب في أحد، فرد أحدهما فذهب الآخر يبكي عند أبيه، قال: ماذا بك تبكي؟! قال:(أجاز النبي عليه الصلاة والسلام فلاناً وردني وأنا أصرعه، فذهب أبوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ولدي يقول: كذا وكذا -يا رسول الله- فأجزه، فناداهما الاثنين وتصارعا أمامه، وفعلاً صرعه فأجازه) .