قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة) ، رواه ابن عدي وضعفه، وللبيهقي نحوه عن علي رضي الله عنه من قوله] .
هذا يمكن أن نسميه توزيع المسئولية وتوزيع الاختصاصات، نحن نعلم بأن الإمام من حيث هو أعلى منزلة من المؤذن، الأجر لا نتكلم عليه هنا، لكن المنزلة في الدين أو المنزلة في الناس فإن الإمام أعلى منزلة من المؤذن، ولهذا يقولون: النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم كانوا يؤمون الناس في الصلاة ولم يكونوا مؤذنين.
فالمؤذن أدنى مرتبة من الإمام، ولكن كما في الحديث:(المؤذن مؤتمن، والإمام ضامن) ، فهم أمناء على الوقت؛ لأنهم مع التكرار والتعود أصبحوا يعرفون الوقت بسرعة ولو لم تكن هناك آلة، ولو لم تكن هناك وسيلة لقياس الزمن، مع أن مقاييس الزمن معروفة من قبل بالظل، فإذا كان المؤذن كل يوم خمس مرات يتتبع الأوقات، يتتبع طلوع الفجر، ويتتبع زوال الشمس، ويتتبع ظل كل شيء مثله، ويتتبع الغروب، ويتتبع غياب الشفق، في كل الأوقات الخمسة؛ فهذا أنه بعد شهر يصير هذا شيء جبلي عنده، حتى لو نظر إلى الأفق ونظر إلى الساعة فاختلفا فإنه يقدم الأفق على الساعة.
وكان الأفق أضبط عنده من الساعة.
إذاً: المؤذن أمين على الوقت.
ومن هنا: إذا سمعنا المؤذن يؤذن لا نحتاج إلى بينة على دخول الوقت، وعلى صحة الصلاة، وعلى الإمساك في الصيام، وعلى الإفطار في رمضان؛ لأننا نكون جالسين في المسجد، وما رأينا هل الشمس غربت أو لم تغرب ما ندري، حتى الساعة في أيدي الناس هذه تقدم دقيقتين وهذه خمس وهذه تؤخر، وهذه كذا، لكن حينما نسمع المؤذن نلغي هذه الساعات التي تقدم والتي تؤخر، وما نسأل فيها، وعندنا المؤذن أمين على صيامنا بوقت دخول الفطر، وكل الذين في المسجد من آلاف مؤلفة، ومن في البيوت من حريم ورجال وصغير وكبير يأتمنون المؤذن على دخول الوقت، ويأتمنونه على الإفطار.
وبعض العلماء يذكر هنا مسألة أصولية وهي: أن قبول خبر المؤذن وائتمان المؤذن على الوقت، وترتيب الأحكام الشرعية من صلاة وإمساك وإفطار على أذانه؛ يعتبر أقوى دليل على قبول خبر الواحد؛ لأن المؤذن شخص واحد، والأمة كلها تقبل خبره، وتعمل به، فتؤدي الصلاة والصلاة لا تؤدى إلا في وقتها، ويمسك عن الطعام من أجل الصيام فيحرم ما أحل الله، ويفطر ويأكل ويستحل ما كان حراماً، وكل ذلك بخبر الواحد، فقالوا: إن قبول المؤذن في إخباره عن الوقت وائتمانه عليه أقوى دليل في قبول خبر الواحد عند الأصوليين، والله تعالى أعلم.