من ظلمه ظالم، أو كان من طلب ظالم، أو مديناً في دين ولا يستطيع مواجهة الدائنين فإنهم، قالوا: هذا معذور فقد ارتكب أخف الضررين، والله يعفو عنه أو كان مريضاً لا يستطيع الذهاب إلى المسجد، وقد جاء عن ابن مسعود:(كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) ، والمصطفى صلوات الله وسلامه عليه في آخر الأمر جاء يهادى بين علي والعباس تخط قدماه في الأرض، حتى استوى إلى الصف وجلس.
ومن آكد ما سمعت في ذلك قول والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في معرض الكلام على صلاة الخوف، قال: لو أن الصلاة -وهي وفرض- تسقط بشيء لسقطت في القتال، ومع ذلك والرءوس تتطاير تؤدى، فإن كانوا مقيمين ولا قتال، ولا فر ولا كر في أرض المعركة قسم الإمام الجماعة قسمين: قسم لحراسة العدو، وقسم يصلي معه، وهذا مما يدل على وجوب الصلاة، وأنها لا تسقط بحال من الأحوال، وقالوا: إنها لا تسقط مادام العقل موجوداً وعنده إدراك.
وتقدم في صفتها:(صل قائماً، فإن لم تستطع فجالساً ... ) فكل ذلك يدل على وجوب الصلاة.
ونحن نقول: صلاة الخوف نجد فيها الجماعة بقدر المستطاع، ولا تسقط الجماعة في صلاة الخوف إلا إذا دخل وقت الصلاة وهم في حال الكر والفر، ولا يمكن أن يقع اجتماع ولا إمامة، فكلٌ يصلي لنفسه على حالته مستقبلاً الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، ولا مانع في ذلك.
وعلى هذا فأقل ما يقال: في ذلك العناية بالجماعة.
قال داود الظاهري وطاوس وغيرهما: إنها واجب عيني، وشرط في صحة الصلاة، ومن صلى منفرداً بغير عذر فلا تسقط فريضته.
يليهما أحمد في رواية عنه أنها: هي واجب عيني، وليست شرطاً في صحة الصلاة، فتصح صلاة المنفرد دون الجماعة، وهو آثم بترك الواجب، كما قال أبو حنيفة رحمه الله في الطواف، قال: الطهارة شرط، لكن ليست شرطاً في صحة الطواف، فيصح طوافه، وعليه دم لتركه واجباً وهو الطهارة، فللصلاة نظير أيضاً عند غير أحمد.
فعند أحمد أنها فرض عين، ولكن ليست بشرط صحة، ورواية أنها فرض كفائي، ورواية أنها سنة كما يقول الجمهور.
وعند الشافعي: هي فرض كفائي، وجمهور الشافعية على أنها سنة مؤكدة.
ومالك وأبو حنيفة -رحم الله الجميع- على أن الجماعة سنة، وليست بواجب.