وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الميت يعذب في قبره بما نيح عليه) متفق عليه.
هذا الحديث كثير من علماء الحديث يجعله موضع إشكال، لأن الميت ما ناح، والذي ناح إنما هو غيره من الأحياء، فلماذا يعذب الميت، وقد قال الله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}[النجم:٣٩] ، وقال:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤] ؟ قال بعضهم: إن الميت يعرف طبيعة أهله وذويه، فإذا كان من طبيعة أهله النياحة على الميت، وقد حضرته الوفاة، فإن كان راضياً بما يفعل أهله من النياحة ولم ينههنَّ، فيكون كأنه أمرهنَّ.
أي: أن الساكت عن المنكر مشارك، كما قيل: السامع للذم شريك لقائله، ومطعم المأكول شريك للآكل، فقالوا: إما أن يوصي بأن يناح عليه كما فعل طرفه إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يابنة معبد فأوصى زوجته أن تندبه بعد موته، وهذا أمر جاهلي.
فإذا كان الميت يعرف من طبيعة أهله النياحة، فعليه -براءة لذمته وخروجاً من العهدة- أن يمنعهن وينهاهن، ويوصي بعدم النياحة، فإن فعل ذلك زال عنه الحرج والإثم ولو خالفن وصيته، وهن يتحملن إثمهن، ولا يصيبه من فعلهن شيء، أما إذا سكت وهو يعلم أنه سيقع هذا المنكر؛ فإنه يكون مشاركاً، ويعذب بذلك.
وجاء في ترجمة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، أنه مرض وأغمي عليه، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وقال:(اللهم إن كنت أبقيته من العمر فعافه.
، ثم أفاق فقال: يا رسول الله! لقد عوتبت فيما تقوله أمي، كانت تقول: واسنداه! قال: فكلما قالت شيئاً أتى ملك يقول: أأنت كذلك؟ أأنت كذلك) إذاً: إن علم الإنسان من أهله تلك الحالة فعليه أن يوصي بمنعها، فإن فعلن بعد الوصية وبعد النهي، فلا شيء عليه، وإن عرف وسكت، فكأنه راض ومقر على ما يعلم، فيلحقه من ذلك شيء، والله تعالى أعلم.