قال رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:٢] ، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم) ، أخرجه مسلم وله علة] .
هذا الحديث مع حديث المسيء في صلاته يعتبران أصلاً في بيان كيفية الصلاة، ومن حسن ترتيب المؤلف أنه أتى به بعدما بين حالات دعاء الاستفتاح وأطال فيها، ومن الناحية الفقهية: فإنهم يجمعون على أن كل هذه الأدعية إنما هي من باب الاستحباب، فلو كبر وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، فالصلاة صحيحة، ما عدا ابن حزم رحمه الله فيرى أن دعاء الاستفتاح واجب كالقراءة، ويتخير أي دعاء من هذه الأدعية الواردة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا، وينقل بعضهم عن بعض الهادوية أن هذه الأدعية عندهم تبطل الصلاة، ويقولون: لأنها من كلام البشر، وخارجة عن موضوع الصلاة، إلا أن ما يثبت بحديث رسول الله ويفعله رسول الله هل نقول: إنه خارج عن الصلاة؟ هذا تطرف زائد.
وبالتأمل نجد أن كل هذه الصيغ التي وردت تعطي الإنسان تهيأة، وتجعله يستقبل صلب الصلاة بنفس مطمئنة راضية، فقد تباعد من ذنوبه وخطاياه، وطلب غسله وتنقيته منها، وسبح ربه، وحمده، وتهيأ بعوامل متعددة ليصبح في وقفته بين يدي الله مستعداً لكل تلقي فيوضات الرحمة في هذا الموقف العظيم، يعني ليس الذكر مجرد ذكر، ولكنه تهيئة للإنسان.
وكما أشرنا سابقاً في حديث الأذان:(إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) ، لماذا، فهو يؤذن للناس ونحن نسمع؟ قال العلماء: لأن الإنسان يكون في أمور الدنيا مستفرغاً حسه وشعوره في عمله مهندس في هندسته، صانع في مصنعه، زارع في مزرعته، بأي حالة من الحالات، فهل نقول للإنسان: تعال صلِّ، ونأخذه من الدوامة التي هو فيها ونوقفه في المحراب مباشرة؟ لا، وهذا انتقال مفاجئ ليس له تمهيد، لكن لما يردد كلمات المؤذن، ويستشعر أن الله أكبر من كل شيء، وينفض يديه عما هو فيه، ويسمع إلى داعي الله:(أشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، إلى آخره) يتوجه إلى الله، ويتوضأ وهو مع الله، فيكون هناك تحويل وتغيير في التفكير، فبعد أن كان متجهاً للدرهم والدينار ومنغمساً في أشغاله إذا بنا نجده قد توجه إلى الله، وانقلبت الصفحة إلى ناحية أخرى، وأصبح كأنه جزء من المسجد، ويحط خطاه في المسجد ويدخل في المناجاة مع الله.
ولزيادة تهيئة عملية فعلاً، يأتي بهذه الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتينا المؤلف بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وبدأ المؤلف يبين عملياً كيفية الصلاة.