[وصف الصحابة في التوراة والإنجيل قائم على وسطيتهم بين الإفراط والتفريط]
نجد القرآن الكريم يصف أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم بما وصفوا به في التوراة والإنجيل- لأهل التوراة والإنجيل، وذلك الوصف قائم على أساس هذا المبدأ، وأن النصارى مفرطون واليهود مقصرون.
فانظر إلى هذا الوصف:(ركعاً سجداً) ، فهل اليهود ركع سجد؟ وقال الله:(يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) وهل اليهود يبتغون ما عند الله، أو يبتغون الدنيا؟ وقال تعالى:(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) بخلاف القترة والغبرة على وجوه اليهود عياذاً بالله.
وقال تعالى:(ذَلِكَ مَثَلُهُمْ) أي: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (فِي التَّوْرَاةِ) ، والتوراة لليهود؛ ليعلموا أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا كمثلهم.
قال تعالى:{وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ}[الفتح:٢٩] والإنجيل للنصارى.
فانظروا إلى هذا المثل، هل هو مثل عبادة، أم مثل عمل واستثمار وإنتاج؟ إنه عمل واستثمار وإنتاج، فهو زرع يخرج شطأه يؤازر بعضه بعضاً، فيعجب الزراع ويبتهج به الزارع إذا رآه؛ لأن النصارى أهملوا أمور الدنيا وأمعنوا في أمور الروح كما قال تعالى عنهم:{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}[الحديد:٢٧] .
فالنصارى ذهبوا في الرهبانية، وتركوا الدنيا، فجاء مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل بالعمل الدائب، والإثمار والإنتاج، ليردهم عما هم عليه، وجاء في حق اليهود أن مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما قاله تعالى عنهم:{رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}[الفتح:٢٩] ، وهذان مثلان يبينان أن كلتا الأمتين قد غايرت الطريق فأفرطت في جانب، وفرطت في جانب آخر، وعلى هذا جاء في هذا الحديث أن اليهود لعنهم الله؛ لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وكان ذلك سبباً في التوصل إلى عبادة غير الله.