للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بدء العمل بالتاريخ الهجري]

رفع إلى عمر رضي الله تعالى عنه سند بدين يدفع في شعبان، فتساءل: أي شعبان: الماضي أو الحاضر أو المستقبل؟ فقيل: لابد أن نجعل لنا بداية تاريخ ليضبط لنا هذه الأمور، فاجتمعوا وتشاوروا، فبعضهم أشار إلى عام الفيل، فقالوا: هذا يوم جاهلي، فجاءوا إلى أحداث الإسلام، فمنهم من ذهب إلى مولده صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مولده لم يظهر أثره بعد، وجاءوا إلى بعثته، فقالوا: أثرها لم يأت بعد، وأعظم حدث في الإسلام هو الهجرة؛ لأن بها انتقلت الدعوة من موضع الضيق إلى السعة والمواساة، وبعدها انطلق الإسلام في العالم شرقاً وغرباً، فكانت الهجرة أعظم منة من كل ما سواها، وتلك الأحداث الكبرى كغزوة بدر -يوم الفرقان-، وفتح مكة، والحديبية، قالوا: هي آثار الهجرة، فهي نتجت عن الهجرة، وما حدث للمسلمين من تجمع؛ فاختاروا أن يكون عام الهجرة بداية التاريخ الإسلامي.

وكان وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة في ربيع الأول، فقالوا: لا نخرج عن العرف، ولا نجعل أول السنة ربيع، بل نعتبر أول السنة المحرم.

ومضى التاريخ الإسلامي على التوقيت الهجري إلى اليوم بحمد الله، قال سبحانه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة:٣٦] فإذا كانت عند الله فلا ينبغي الإعراض عنها، وعلينا أن نأخذ ما هو معتبر عند الله، ونحن نعلم أن ما حدث من الأشهر ومن السنوات السابقة على التاريخ الهجري هي أيضاً عند الله، وحسابها عند الله، ومجراها من عند الله، فهي باعتبار حركة الشمس في الفلك، ولكن المعتبر القمرية، ولماذا؟ نسأل عامة الحاضرين: أولئك الذين يعتمدون التواقيت غير الهلالية بم يعرفون الشهر؟ لا يمكن أن يعرفوه إلا بتخصص جماعة يعينون دخول الشهر وخروجه، ومن هنا عجزوا عن ذلك، واتفقوا على أن يجعلوا شهورهم متفاوتة ما بين ثلاثين وواحد وثلاثين، يقبضون الكفين، فالعظم الناتئ واحد وثلاثون، والمنخفض ثلاثون، وهكذا فاختلف العدد عندهم في عدد أيام السنة، وكما يقال: سنة كبيسة وغير كبيسة، والفرق عندهم يومان، فجعلوا فبراير -شهر الكذب- ثمانية وعشرين، ما وصل إلى الثلاثين، يهمنا أنهم وقعوا في حيرة، واستمر الأمر عندهم على ذلك، أما نحن -بحمد الله- فلم نحتج إلى هذا ولا إلى ذاك، ولا إلى أن ننقص شهراً عن حسابه، إنما القمر آية كونية يضيء بالليل، ويراه القاصي والداني، كل من أنعم الله عليه بنعمة البصر يعرف أن الشهر قد جاء، وسمي الشهر شهراً للشهرة، فهو يشتهر بظهوره، وسمي الهلال هلالاً؛ لأنهم كانوا من عادتهم إذا طلع الهلال رفعوا أصواتهم، ورفع الصوت يسمى إهلالاً وتهليلاً، هلل فلان أي: رفع صوته، ويقال: التهليل والتحميد والتسبيح، من باب نحت الكلمتين في كلمة، التهليل: قولك: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والتكبير: الله أكبر، والتسبيح: سبحان الله، والتحميد: الحمد لله، وهذا اصطلاح آخر.

جعل المولى سبحانه وتعالى الأهلة علامة للشهور فيما نحتاج إليه، وفي هذا مبحث بسيط، وهو: المرأة إذا طلقت وعدتها ثلاثة أشهر، -مثلاً-: طلقت يوم خمسة عشر في الشهر، هل ينتهي الشهر الأول بخمسة عشر في الشهر الثاني وتنتهي من الشهر الثاني في خمسة عشر في الشهر الثالث؟ قالوا: لا؛ لأن الأهلة تزيد وتنقص، بمعنى: أن الشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين، إذاً: كيف تفعل؟ قالوا: تلتزم بالأهلة.

وماذا تفعل في هذا الكسر من الشهر؟ قالوا: إذا طلقت يوم خمسة عشر، تعد الأيام الباقية من الشهر، فمضى عليها خمسة عشر، ودخل الشهر الثاني وظهر هلاله، الخمسة عشر التي مضت تجعلها على جهة، وتأخذ الهلال والهلال شهران، بقي الشهر الثالث، عندها من الثالث خمسة عشر، فتكمله من الشهر الذي يليه، وتكون بذلك قد اكتملت عدتها ثلاثة أشهر، فتعتبر الأهلة في الشهرين السليمين، وتعد الأيام للشهر الذي حدث فيه الطلاق، وهكذا بقية المواطن التي يحتاج فيها المكلف إلى عدة أشهر.