قال المصنف رحمه الله: [وله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله وسلم قال: (لا يؤذن إلا متوضئ) وضعفه أيضاً] .
هذا الحديث من أحكام الأذان، وهذه الصيغة صيغة الحصر، (لا وإلا) من أقوى صيغ الحصر، كأنه ينفي أذان غير المتوضئ، ولا يأذن لغير متوضئ، فمفهوم ذلك أن غير المتوضئ لا يؤذن، ولكنهم مجمعون -لضعف هذا الحديث- على أنه لو أذن غير المتوضئ فإن الأذان صحيح ولا يعاد، بخلاف الجنب، فإنهم يختلفون فيه: فمنهم من يقول: يصح أيضاً ولا يعاد، ومنهم من يقول: لا يصح الأذان مع الجنابة، ويقولون: الأمر هنا تعليم وإرشاد؛ لأن المؤذن بعد الأذان إنما ينتظر في المسجد، وينتظر مجيء الإمام ليقيم الصلاة، ويصلي مع الناس، ولا ينادي الناس للصلاة ويخرج ليتوضأ، فنحن لا نعرف متى يرجع، ولا ننتظر حتى يأتي، ومن أذن فهو يقيم، فهذا تعليم وإرشاد بحيث يكون متهيئاً للصلاة، لا يضطر إلى أن يخرج بعد أن يؤذن من المسجد ليتوضأ.
وقالوا: ونظير هذا أن من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ، قالوا: حمل الميت ليس حدثاً يوجب الوضوء، ولكنه من باب الإرشاد، بحيث أنه إذا حمل الميت وجاء ووضعه سواءً كان في المسجد أو كان عند المقبرة على خلاف في ذلك، وقاموا للصلاة عليه؛ فلا يحتاج إلى الوضوء فيحمله ثم يتخلى عنه عند الصلاة عليه! ولذا ينبغي أن يكون متوضئاً متهيئاً للصلاة عليه، أما إذا حملها وهو غير متوضئ فإن الناس يصلون عليه وهو لا يستطيع أن يصلي عليه، فيكون ذلك قصوراً منه، فوت على نفسه ثواب الصلاة على الجنازة، ويكون في صورة غير لائقة.
قالوا: وكذلك هنا: (لا يؤذن إلا متوضئ) ، فأجمعوا واتفقوا على أن المؤذن إذا أذن وهو على غير وضوء على حدث أصغر؛ فإن الأذان لا يعاد، واختلفوا لو كان جنباً، وفيما إذا أذن صبي دون البلوغ، وفيما لو أذنت امرأة، وفيما لو أذن غير مسلم، قيل: يعاد الأذان، ولا يعتد بأذان هؤلاء الأشخاص.
وبهذه المناسبة يتفقون أنه يجوز لو كان هناك خطيب للجمعة وإمام للصلاة، فلا مانع، وتصح الجمعة بخطيب على حده وإمام على حده، فيمكن أن يكون الخطيب غير إمام، وأن يكون الإمام غير الخطيب، فلو خطب وهو غير متوضئ لا تعاد الخطبة؛ لأنها مجرد ذكر وموعظة بخلاف الإمام، فلابد أن يكون على طهارة كاملة من الحدثين، فالمؤذن والخطيب يصح عملهما ولو كانا غير متوضئين، أما الجنابة فلا.