نرجع إلى من يقول: إنه جمع صوري، يقول بعض العلماء رداً على ذلك، وخاصة ابن عبد البر فقد ناقش المسألة نقاشاً دقيقاً وطويلاً، قال: إن القول بجمع الصلاتين تخفيف، وإن تحري آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية فيه مشقة كبيرة.
والآخرون يقولون: المسألة ليست مسألة هندسية على الصفر والزاوية، بل المسألة تقريبية في الأوقات، فإذا نزل في آخر وقت الأولى وصلاها وتحرى دخول الثانية وهو في مجلسه ففيه تخفيف من كونه يتهيأ للصلاة مرة واحدة بوضوء واحد، ويأتي إلى محل الصلاة، فإذا كانوا جماعة فإنهم يجتمعون للصلاة جماعة، ويكون اجتماعهم واحداً، ففيه أيضاً إرفاق، كما جاء في المستحاضة حيث، أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجمع الصوري.
وهنا يقول ابن عبد البر -ولم أره لغيره أبداً- إن القول بالجمع الصوري يتبعه منع الجمع الصوري في غير هذه الصور.
فمثلاً: إذا قلتم: إن الجمع الصوري للتخفيف، وحقيقة الحال أن كل صلاة وقعت في وقتها، فيجوز أن يؤخر العصر لآخر وقتها، ويقدم المغرب لأول وقتها، ويجمع بينهما جمعاً صورياً، وسيوقع كل صلاة في وقتها، وأنتم تمنعون ذلك، فلم المنع؟ فإن قلتم: لأنها لا تشترك معها في الوقت؟ قلنا: نحن لم نجمع حتى تقولوا ذلك، وطالما أنكم قلتم إن الجمع صوري فندعها على الصورية هذه، وما دام أن كل صلاة وقعت في وقتها فلا جمع، والإنسان لو أخر صلاة العصر إلى آخر وقتها، ولم يبق عن غروب الشمس إلا مقدار ركعتين، فصلاته أداء، فإذا دخل وقت المغرب صلاه في أول وقته وأنتم تقولون: إذا أخر صلاة العصر لشغل أو نسيان كما لو نام وقام قبل الغروب بما يسع ركعة فإنها تعتبر أداء وليست قضاءً، فلماذا هنا لا تتركونه يأتي بالمغرب في أول وقتها والعصر في آخر وقتها؟ قالوا: هذه بعذر، ولماذا يأتي بها في أول الوقت بدون عذر؟ ونحن هنا لا نناقش المسألة، لكن نورد كلام ابن عبد البر، وهو كلام دقيق جداً، فإذا كانت القضية ستدور على الجمع الصوري وكل صلاة ستقع في وقتها، فما الذي يمنع أن يجمع جمعاً صورياً بين العصر والمغرب، وأنتم تمنعون ذلك بالإجماع؟! إذاً: الجمع الصوري لا قيمة له، ولا يتمشى مع هذه النصوص الموجودة، لأنه لو كان على الصورة فالصورة تقع في غيرها، وأنتم لا تقولون بذلك.
إذاً: الجمع الصوري لا وجود له في الحالات العادية، أما المستحاضة فلمرضها، وسيأتي التنبيه على هذه القضية؛ فالمرض أو الحاجة في حديث ابن عباس يأتي فيما بعد إن شاء الله.
إذاً: الجمع بين الصلاتين في السفر جائز أم ممنوع؟ جائز جاءت به السنة، وله صور ثلاث: الأولى تقديم، والثانية تأخير، والثالثة صوري، والذي قال بجمع التأخير فقط ابن حزم وشيخه داود، وقال بجمع التقديم والتأخير معاً أحمد والشافعي، والذي منع من الجمع وقال بالجمع الصوري أبو حنيفة، ومالك رحمه الله جاءت الرواية عنه مختلفة.