وأما قوله:(وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ، فإن البركة تعني: الزيادة، والمبارك كثير البركات، تقول: طعام مبارك، أي: كثير وفيه خير، واسمه سبحانه مبارك، فإذا سألته باسمه أعطاك، وإذا دعوته باسمه أجابك، وهنا:(تبارك اسمك) ، هل هذا خاص بمجرد لفظ الاسم (الله.
الرحمن.
الرحيم.
الملك.
القدوس.
السلام.
إلخ) ، أم أن المراد المسمى المعبر عنه بالاسم، ولا نريد أن ندخل في غمار مخاضة: هل الاسم غير المسمى، أو المسمى غير الاسم، فهذه مناقشة لا طائل تحتها، ولكن الاسم من حيث هو لفظ مركب غير المسمى، والاسم من حيث هو دال على مسماه هو عينه.
وأي اسم من أسماء الله فهو مبارك، كـ:(الرحمن) ، وبركات الرحمن لا يحصيه إلا الله، (إن لله مائة رحمة أنزل واحدة إلى الأرض فبها تتراحمون، ويتراحم أهل الأرض، حتى إن الدابة لتضع حافرها على ولدها فترفعه رحمة به) ، وقوله:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨] ، داخل تحت رحمة واحدة من المائة، عطف الأم على ولدها، عطف الكبير على الصغير، شفقة الصغير على العجوز الكبير، كل ما رأيت وما سمعت من معاني ومظاهر الرحمة فهي جزء من مائة من رحمة الرحمن، أي بركة ممكن أن يحصيها الإنسان في هذا؟! (الرحيم) قالوا: رحمان الدنيا ورحيم الآخرة، وتجدون هذا في أول كتب التفاسير فكلها تنقلها عند البسملة، ولا شك أن رحمة الآخرة دائمة وباقية، بينما الدنيا تنتهي، وفي الآخرة:(لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) ، فهذا من بركة اسم الرحمن الرحيم، ولو جئت إلى كل اسم من أسماء المولى سبحانه وتعالى: كـ: (الحي) ، فمن بركته وجود هذا العالم، وهو أثر من آثار الحي، وتنظيم هذا العالم وإيجاد كل ما يحتاجه الإنسان في هذا المعنى أيضاً، وإذا كان اسم الله مباركاً وتبارك في دلالاته ومعانيه هل نتجه إلى غير الله؟! لا.
وقوله:(وتعالى جدك) ، تعالى بمعنى: تقدس وتنزه عن كل نقص، والجد يقولون فيه: إنما هو الحظ، ويقولون: إنما هو العطاء، والله أعلم بالحقيقة.
(ولا إله غيرك) ، ما دام الأمر كذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، نتجه إلى من؟ والله لا إله غيرك، وليس لنا مألوه نعبده ونقصده ونرجوه ويستحق منا العبادة له وحده إلا أنت يا الله.