للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحديد الربح]

وهنا جاءت مسألة لا زال الناس يخوضون فيها إلى الآن، فهذا اشترى شاتين بدينار، وباع شاة منهما بدينار، فلما كان في الطريق، وهو في نفس اليوم، ولم تتغير الأسعار في الأسواق، ولا قل الوارد وكثر الطلب، فالسوق على ما هو عليه، لم يطرأ عليه ما يقتضي زيادة الثمن، فكم ربح في هذه الصفقة؟ ربح مائة في المائة، ويأتي هنا السؤال المهم: كم يجوز أن يربح؟ وكم يكون الغبن؟ وكم تكون الزيادة؟ ومتى يفسخ البيع؟ ومتى يحق للمشتري ادعاء الغبن؟ وهذه القضية إلى الآن لم يستقر فيها رأي، لا على تحديد السعر، ولا على تحديد صورة الغبن، وأهم ما يكون في ذلك، والمرجع ما لم يكن المشتري جاهلاً فغره البائع، وما لم يكن البائع مستغلاً لظروف المشتري ويتحكم فيه، فإذا كانا على هذه الحال وعلى قارعة الطريق، وليس هناك إلزام ولا إكراه، ولا استغلال لظروف المحتاج، فالبيع سليم ولو كان الربح مائتين في المائة.

وبعض السلع ربما كان الربح فيها خمسمائة في المائة، لكن مع اختلاف الزمن ومع اختلاف الأسعار، وعندنا بيع السلم لا بد أن يكون هناك أجل في تسليم السلعة، ويكون بسبب هذا الأجل تغيير في السعر بزيادة أو بنقص، فنقرر وجود الزيادة ووجود النقص وإلا لما كان سلماً.

فعلى هذا لا يمكن لإنسان أن يتحكم في سوق، ولا في سلعة، ولا في تاجر، ولا في متجر، ولا في مصنع، بتحديد سعر البيع والربح، إلا إذا كان هناك استغلال للمشتري، وما يوجد الآن من بعض التسعير لبعض السلع، فإنما ذلك مما استجلبه الناس باستغفال الجاهل، وبعدم معرفته قيمة السلعة، وباستغلال البائع جهالة المشترَي، فجعلوا في بعض السلع بياناً للأسعار، كما هو حاصل في الأدوية، فإننا نعرف الفرق بين حبة الأسبرين وحبة الفيتامين، فبعض أنواع الفيتامين قد تساوي الحبة الواحدة ثلاثة ريال، وعلبة الأسبرين كلها تساوي ثلاثة ريال، ولكننا لا نعرف الفرق من الناحية الكيماوية أو الطبية، فلما لم نكن نعلم ذلك ويمكن للصيدلي أن يستغل ظروف كل مريض؛ جعلوا المسألة واضحة، وقربوا الموضوع، وقدروا الربح المناسب لهذه السلعة، ووضعوا الأسعار على كل علبة، وكذلك المحلات الكبيرة التي تسمى: (سوبر ماركت) وفيها من أنواع السلع والبضائع، ولا يريد صاحبها النزاع في المساومة، فوضع أسعار السلع أمامك، فإن أعجبك سعرها أخذتها، وإن لم يعجبك تركتها، والذين يضعون هذه الأسعار يراعون مصلحة المالك ومصلحة المستهلك، على مبدأ فقهي إسلامي: (لا ضرر ولا ضرار) ، لا ضرر على المالك في بخس سلعته، ولا ضرار على المشتري في استنزاف ماله في هذه السلعة.