قوله تعالى: (قل يا أيها الذين هادوا ... )
{قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ.
} [الجمعة:٦] أي: أنتم تقولون: نحن أولياء الله، وتقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، فإن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس -أي: من دون المسلمين- فتمنوا الموت لأجل أن تذهبوا إلى من أنتم أولياؤه في زعمكم، فتجدون الكرامة، وتجدون الحنان، وتجدون الرضا، وتجدون النعيم، فأنتم أولى به من غيركم؛ وهذا قول بعض العلماء.
وبعضهم يقول: تمنوا الموت للظالم الضال، على حد قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:٢٤] ، فواحد من الفريقين هو الضال.
إذاً تمنوا الموت للفريق الضال ليصفو المكان وتبقى الولاية لكم: {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة:٦] أي: في زعمكم، والواقع هو قوله تعالى: {وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} [الجمعة:٧] ، فلا يمكن أن يتمنوه؛ لأنهم يعلمون ماذا يكون مصيرهم إذا ماتوا.
وبعضهم يقول: هذه مباهلة مع اليهود، كما وقعت مع نصارى نجران حين قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:٦١] ، فقال بعض السادات منهم: تعلمون -والله- أنه ما بوهل نبي إلا أهلك من باهلوه، والله لو باهلتم رسول الله لرجعتم بغير مال ولا أهل.
فاعتذروا وقالوا: يا محمد! نعطيك ما تطلب وتتركنا على ما نحن عليه، ففرض عليهم الجزية، ورجعوا على دينهم.
فمعنى (تمنوا الموت) اجتمعوا واطلبوا الموت لأضل الفرقتين.
وهناك من يقول: تمنوه لأنفسكم لتلحقوا بمن تزعمون، ولكن لعلمهم بحقيقة الأمر فإنهم لا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم من التكذيب والتضليل وإضلال الناس وكتمان الشهادة.
قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة:٧] فهم ظالمون، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:٨] ، فإذا كنتم خائفين من الموت فالموت لا بد منه، {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:٨] .