شرح حديث: كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ... )
قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع) ، متفق عليه.
وفي حديث أبي حميد عند أبي داود: (يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر) ] .
هذه التكبيرات في حديث ابن عمر رضي الله عنهما يقولون عنها: تكبيرات الانتقال، ورفع اليدين عندها سنة، والتكبيرات واردة عند الانتقال من كل ركن في الصلاة ما عدا الرفع من الركوع، فإن الذكر فيه: (سمع الله لمن حمده) ، (ربنا لك) أو (ربنا ولك الحمد) ؛ على كلا الصيغتين.
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع يديه حذو منكبيه) ، والمحاذاة: المقابلة، والمنكبان هما: الكتفان عن اليمين واليسار، فيرفع يديه حذوهما، ولا يرفعهما عند رأسه، ولا ينزلهما عند صدره، وذلك في ثلاثة مواضع: عندما يفتتح الصلاة، وتقدم أيضاً في الصلاة، وسيأتي زيادة إيضاح في رواية: (حذو منكبيه) ، ورواية: (أوائل أذنيه) ، وأوائل الأذنين في الرأس، وأعلى الأذنين أي أواخرهما في الأعلى عند الرأس، ولا خلاف بين رواية: (حذو المنكبين) ، وبين رواية: (أوائل الأذنين) ؛ لأن من لاحظ الكف نظر لمحاذاة الكف إلى المنكب، ومن نظر إلى أطراف الأصابع فلن تذهب الأصابع إلا إلى أوائل الأذنين، فقيل: الروايتان تصدق كل منهما الأخرى، فهذا نظر إلى أدنى الكف، وهذا نظر إلى أعلى الأصابع، فأدناه منكبي الإنسان وأعلاه أدنى الأذنين، هذا في الموطن الأول.
(كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة) ، وإذا افتتح الصلاة يقول: الله أكبر، وتقدم شيء من التنبيه على ما يقوله العلماء في افتتاح الصلاة، يقول: الله أكبر، فلدينا نطق باللسان: تكبير، وحركة باليدين: رفع، وهل هما متلازمان أم أن أحدهما يسبق الآخر؟ تقدم بأنهما معاً سواء؛ فيبدأ بلفظ الجلالة عند بداية الحركة، ويشغل زمن الحركة بالتكبير.
الموطن الثاني: إذا كبر للركوع، فإذا أراد أن يركع رفع يديه، ويكبر إذا أراد أن يركع، وهذه تكبيرة الانتقال، والأولى تكبيرة افتتاح، ونلاحظ في كتب الفقه التدقيق، فلو أن إنساناً كان متأخراً وأدرك الإمام ليركع وركع معه، فكبر، هل نوى بتكبيرته تلك افتتاح الصلاة أو الانتقال والهوي إلى الركوع؟ إن نوى بتكبيرته افتتاح الصلاة فقد افتتح الصلاة وجاء بالتكبيرة التي هي افتتاحية الصلاة وواجبة، وإن نوى الدخول في الركوع وتكبيرة الانتقال فلا تجزئه، وإن نوى الأولى اندمجت معها تكبيرة الانتقال، وسيأتي هذا في الذي يدرك الإمام راكعاً ماذا يكون حاله؟ إذاً: يرفع يديه حذو منكبيه مع التكبير عند افتتاح الصلاة، ويكبر عند الهوي إلى الركوع.
(وإذا رفع رأسه من الركوع) ، الوارد في الرفع من الركوع: (سمع الله لمن حمده) ، وهنا ابن عمر يريد رفع اليدين لا التكبير، فالمراد أن رفع اليدين ورد في ثلاثة مواطن: عند تكبيرة الافتتاح، والتكبير للركوع، ورفع الرأس من الركوع.
إذاً: في الافتتاح: الله أكبر، ويقرأ، وعند الركوع: الله أكبر، ويرفع يديه ويركع، وكذلك عند الرفع من الركوع، وليس معنى ذلك أنه يكبر ويرفع، لا، المراد أن هذا هو الموطن الثالث الذي ترفع فيه اليدان عند الانتقال، وهو الرفع من الركوع، لكن هل يكبر عند الرفع؟ لا.
والوارد في ذلك: (سمع الله لمن حمده) ، يقولها المنفرد، ويقولها الإمام، أما المأموم فله أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وله أن يكتفي بقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ويجيب على ذلك: ربنا ولك الحمد.
والواو مجيئها وعدم مجيئها نقطة بلاغية، ويتفقون على أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فالذي يقوله الإمام: سمع الله لمن حمده، ويقول من خلفه: ربنا لك الحمد، إجابة على قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فأنا حمدته وسمع، والذي يقول: ربنا ولك الحمد، الواو عاطفة على تقدير معنى جديد، ربنا استجب لنا ولك الحمد على استجابتك لدعائنا أو لتحميدنا.
وبعد حركة الرفع من الركوع يأتي الهوي إلى السجود، هل يرفع يديه للهوي إلى السجود؟ الحديث لم ينص عليها، ولم يصفها ولم يقل فيها شيئاً.
فإذا سجد وأراد أن يجلس بين السجدتين هل يرفع يديه كما رفع عند الرفع من الركوع؟ ما ثبت شيء من هذا في هذا الحديث، وهل في تلك الحركات رفع لليدين؟ لا.
ولكن وردت حركة أخرى غير تلك الثلاث ألا وهي: حينما يقوم من تشهده الأوسط، وهي قاعدة يذكرها الفقهاء: عند قيامه لركعة وتر في صلاته، وركعة الوتر في صلاته هي الثالثة من الرباعية أو الثلاثية، فإذا أنهى التشهد الأول وأراد أن يقوم للركعة الثالثة؛ سواء كانت هي الأخيرة في المغرب أو الثالثة في الرباعية، فحينئذٍ يستوي قائماً للركعة الثالثة ويرفع يديه حذو منكبيه؛ لأنها في منزلة الصلاة الجديدة، لأن الصلاة أول ما فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وأتمت في الحضر، وعلى هذا جاءت السنة، والقول برفع اليدين عند هذه المحلات الثلاث هو قول الجمهور، وهناك من يعارض فيها، وصاحب سبل السلام يعزو ذلك للهادوية، ويرد عليهم رداً شديداً، ويعرض بمن يقول بعدم رفعها، أو من يقول: إنها حركات زائدة تبطل الصلاة، ولا عبرة لشيء من هذا كله ما دام أن النص قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمل به الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
قال: [وفي حديث أبي حميد عند أبي داود: (يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر) .
ولـ مسلم عن مالك بن الحويرث نحو حديث ابن عمر لكن قال: (حتى يحاذي بهما فروع أذنيه) ] .
المؤلف رحمه الله يعدد هذه الروايات ليستكمل صورة رفع اليدين إلى حذو المنكبين، وفروع الأذنين، وكل ذلك في منطقة واحدة، وكل الروايات يؤيد بعضها بعضاً ولا خلاف بينها.