قال رحمه الله: [وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟) متفق عليه في حديث طويل] .
يبين المؤلف رحمه الله حكم الحائض بالنسبة للصلاة وللصيام؛ لأنهما أهم شيء في حياتها وفي دينها، والحديث طويل، وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أنه اطلع على أهل النار، ووجد أكثر أهلها النساء؛ فقامت امرأة وقالت: ما شأن النساء أكثر أهل النار؟! فقال صلى الله عليه وسلم:(لأنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) ، وهذا على سبيل حكم الكل، وليس الكلي، ففي الجملة المرأة أنقص ديناً وعقلاً، ولكن قد يوجد بعض النساء أرجح عقلاً من عشرات الرجال، وقد يوجد في النساء من هي أرجح في الدين والعبادة والتورع من عشرات الرجال، لكن ذلك من حيث العموم، فقالت المرأة: ما نقصان عقلها ودينها؟! فقال صلى الله عليه وسلم:(أما نقصان عقلها فشهادتها نصف شهادة الرجل) كما قال الله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة:٢٨٢] ، قال:(وأما نقصان دينها فأليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟) ، وكونها لا تصلي ولا تصوم نقص في دينها، فالرجل يصلي بصفة دائمة، ويصوم بصفة دائمة، ولكنها يأتيها ما يمنعها، فقوله صلى الله عليه وسلم:(أليست المرأة إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم؟) معناه: أن الحائض تمتنع عن الصلاة، وتمتنع عن الصيام، فلا يجوز للحائض أن تصلي، ولو استباحت ذلك لكفرت عياذاً بالله، ولا يصح لها أن تصوم، ولو صامت فلا يعتبر صيامها، ولو استحلت ذلك لكفرت عياذاً بالله.
وهل المرأة تقضي ما فاتها من الصلوات والصيام أثناء حيضها؟ جاءت زوج عبادة بن الصامت إلى أم المؤمنين عائشة وقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت:(كان يصيبنا الحيض فنقضي الصوم ولا نقضي الصلاة) ، وفي بعض الروايات أنها قالت:(أعراقية أنت؟! قالت: لا، ولكني مستفسرة) ، وقولها:(أعراقية) ؛ لأنه كان مشتهراً عن أهل العراق أنهم أهل الجدل والقياس، والمعتزلة يقدمون العقل في كثير من قضايا الإسلام، ومن أهل البدع من يقول: إنها تقضي الصلاة، وهذا السؤال هو شبه اعتراض عقلي، أي: كيف هذا، فهذه صلاة فريضة وهذا صوم فريضة، ثم فرق بين الفريضتين، فريضة تقضيها وفريضة لا تقضيها؟! وهذا من استعمال القياس العقلي، فقالت لها هذا الجواب: أعراقية أنت؟! أي: أأنت قياسية، تعملين بالقياس مع وجود النص؟ وأما القياس في غير وجود النص فهو من أصول الفقه وأصول الدين، لكن إذا وجد النص فلا قياس، ويسمى عند الأصوليين: فاسد الاعتبار؛ لأن النص موجود.
فهي سألت كيف تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فأجابت أم المؤمنين بقولها: كنا نحيض ونؤمر بذلك، وما كنا نسأل عن السبب ولا عن العلة، فهي أمور تعبدية نتقبلها بالسمع والطاعة، ولا نسأل عن السبب ولا عن الفرق، ولكن العلماء قالوا: هناك فرق، وليس قضاء الصلاة وقضاء الصوم مستويان، ومن شرط صحة القياس أن يستوي الطرفان: المقيس مع المقيس عليه.
فمثلاً: الربا في البر مع الشعير أو مع الذرة؛ لأنهما يستويان في كونهما قوتاً مدخراً، ولكن الصوم والصلاة ليستا متفقتين، لماذا؟ لأن الصوم يأتي مرة واحدة في السنة، والحيض يأتي في الشهر -غالباً- مرة واحدة، فإذا حاضت خمسة أيام أو سبعة أيام في رمضان، فيسهل عليها أن تقضي السبعة أيام في بقية السنة، وهذا لا مشقة عليها فيه، وأما إذا كانت تؤمر بقضاء الصلاة فسبعة أيام تضرب في خمسة يساوي خمسة وثلاثين صلاة، فتحتاج سبعة أيام من الأيام الأخرى لتقضيها في غير أيام الحيضة، فعلى هذا؛ لما كانت الصلاة تتكرر كل يوم، وهي تحيض عدة أيام، وقد يستمر حيضها إلى أكثر مدة الحيض وهي الخمسة عشر يوماً، فستقضي الصلاة خمسة عشر يوماً مع صلاة الخمسة عشر يوماً، وتكون الفائتة بقدر الحاضرة، وهذه مشقة ظاهرة؛ ولهذا سقط عنها قضاء الصلاة.