قال رحمه الله: [وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) ] من المبيعات المنهي عنها، وتصنف في أبواب الربا، ما ورد في حديث سمرة الذي ساقه المؤلف رحمه الله، وهو النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، والحيوان كل ذوات الأربع، والنسيئة التأجيل والتأخير، وهذا الحديث يعتبر من المشكلات، فقد ورد ما يعارضه من حديثي أبي رافع وابن عمرو، أما حديث أبي رافع رضي الله تعالى عنه فيقول:(استسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، فرد رباعياً) ، وحديث ابن عمرو يقول:(أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشاً، فنفدت الإبل، فكنت آخذ البعير على البعيرين من إبل الصدقة) ، فحديث أبي رافع وحديث ابن عمر كلاهما فيه نسيئة، وحديث سمرة ينهى فيه عن النسيئة! وهنا وقف العلماء ما بين الجمع بين الحديثين، وما بين ادعاء النسخ، وما بين الترجيح بين سند الطرفين، أما حديث سمرة فروي عن الشافعي رحمه الله أنه جمع بينه وبين حديث أبي رافع وابن عمرو قائلاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إذا كان كلاً من المبيع والثمن غائباً، أي: كلا طرفي العقد غائباً، كأن تقول: عندي جمل نجيب جيد، فقال لك الآخر: اشتريه منك بجملين أو بثلاثة، وكل من الجمل المبيع والجملين أو الثلاثة -الثمن- غائبة غير حاضرة، بأن قال لك المشتري مثلاً: أين جملك؟ تقول: إنه مع الإبل يرعى في المرعى، ويقول البائع: أين جملاك؟ أو أين الثلاثة الجمال؟ فيقول: إنها تأتيني بعد غد، فيتبايعان حيوان بحيوان كلاً منهما غائب، هكذا فسر الشافعي رحمه الله حديث سمرة في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، أي: أن يكون النَسَاء في كلا الطرفين.
وذهب الأحناف ورواية عن أحمد بأن هذا الحديث ناسخ لحديث أبي رافع:(تسلف بكراً فرد رباعياً) ، فـ الشافعي يجمع بين الروايات ويقول: الجمع أولى من اطراح أحد الطرفين بادعاء النسخ، والجمهور يقولون: النسخ يحتاج إلى دليل.
وهناك من يقول: إن حديث سمرة أقل إسناداً من حديث أبي رافع ومن حديث ابن عمرو، وقد ذكر الصنعاني شارح هذا الكتاب رحمه الله بأنهم اختلفوا في هذا الحديث وصلاً وإرسالاً، فبعض العلماء يقول: هو مرسل، وبعضهم يقول: موقوف على ابن عباس، ومعلوم عند الفقهاء أن المرسل: هو ما لم يذكر فيه الصحابي، كما قال الناظم: ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط فعلى هذا يكون حديث سمرة إما أنه أضعف سنداً، وإما أن يجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى بأن النسيئة تحمل على الطرفين، وبيع النسيئة من الطرفين مجمع على النهي عنه، ويسمى بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو الدين، فلا يجوز بيع دين بدين، فتقول: اشتر ديني الذي علي لك بكذا، وأين ثمن الدين؟ يقول: مؤجل! إذاً: دين بدين لا يجوز، ويقولون: تفسير الشافعي رحمه الله يجمع بين الحديثين.
وبعد ذكر الخلاف في هذا الحديث، نأتي إلى ما ذكره المؤلف بقوله: رواه الخمسة، والخمسة هم السبعة ما عدا البخاري ومسلم، أي: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، فنأتي إلى أبي داود؛ فنجده يبوب على هذا الحديث كراهية بيعه، ثم بعده يأتي بحديث سمرة، ثم يقول: باب: الرخصة في ذلك، ويذكر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه اشترى جملاً بجملين وقدم أحد الجملين وقال: الآخر آتيك به غداً، ويعني بالرخصة: أن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة يكون رخصة.
والترمذي ذكر حديث سمرة ثم قال: وقد ترخص بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وذكر أثر ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعلى هذا يكون النهي أقل ما فيه الكراهية، وهناك من حمله على المنع والتحريم، وهناك من حمله على أنه ناسخ لغيره، وهناك من رجح أن الحديث ضعيف السند، ووجدنا صنيع أبي داود وصنيع الترمذي أنهم عقبوا هذا الحديث بذكر الرخصة، فيكون الأولى ترك ذلك، اللهم إلا إذا حصل اضطرار ولا اضطرار في ذلك؛ لأن صورة بيع ابن عمر أنه اشترى بعيراً ببعيرين، ودفع بعيراً اليوم، وقال: الثاني آتيك به غداً، إذاً: أقل الدرجات أن هذا الحديث يحمل على الكراهية، والله تعالى أعلم.