شرح حديث: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل)
قال رحمه الله: [وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) ] .
عقد البيع فيه مبيع وثمن، الثمن من المشتري، والمبيع من البائع، والأصل أن الذهب قيمة المشتريات، كما يقولون: المال السائل، فهو الوسيط بين صاحب السلعة ومن يحتاجها، وكان قبل الذهب وقبل النقود وقبل العملة؛ كان البيع والشراء بالمقايضة، تأخذ صاع تمر وتبيعه لصاحب البر فيعطيك بالتمر براً، أو تأخذ البر وتبيعه لصاحب السكر، فتقول له: خذ هذا الصاع من البر، وأعطني سكراً، فكانت مقايضة بالأصناف والأعيان، وتأخذ صاع الحب وتذهب للجزار وتقول له: أعطني بهذا لحماً، وإلى الآن في بعض البلدان يتعاملون بالحبوب مقايضة في دكان البقالة، إلى الآن موجود.
ثم جاءت النقود، والمعاملة بها صارت أيسر وميسرة للسفر، وتحديدها معلوم للجميع، فهنا الذهب بالذهب، أيهما ثمن؟ وأيهما مثمن؟ مع أن الذهب في أصله هو قيمة المشتريات وكذلك الفضة، لكن الذهب يخرج عن كونه قيمة المشتريات ويصبح سلعة؛ لأن الذهب له ثلاث حالات: إما تبر، مادة خام، سبيكة.
وإما مضروب، دنانير أنصاف دنانير إلى آخره، وهذه عملة.
وإما مصوغ كما يقال: منقوش، سوار، قرط في الأذن، خاتم في الأصبع، كذا كذا إلى آخره.
فهو عملة وقيمة للمثمنات حينما يضرب، ويجعل وحدة متحدة وزناً وقيمة، والذين يضربون الذهب الآن يجعلونه جنيهات ذهبية، الجنيه الجورج، الجنيه الأمريكي، الجنيه السعودي، وغيرها، وفي حد علمي أن وزن معظم الجنيهات في العالم، وهو الجنيه الصغير ثمانية جرامات، وكأنه وحدة عالمية، وهناك جنيهات تخرج عن هذا، يوجد جنيه إنجليزي أو أمريكي بقدر أربع جنيهات، وفي عهد البرامكة جعلوا الدينار البرمكي أربعة مثاقيل؛ لأنه كان ضخماً يقدم هدية.
والذي يهمنا أن الذهب بالذهب ربا، والذهب أصل قيمة المبيعات، فإذا أصبح الذهب ثمناً ومثمناً، فأين الثمن، وأين المثمن؟ إذا كان الذهب مضروباً نقداً فهذا هو الثمن، وإذا كان الذهب مصوغاً أو تبراً -مادة الخام- فهذا هو المثمن، أي: المشترى.
إذاً: يمكن بيع الذهب بالذهب نقداً بنقد، مثل: بيع الذهب بالذهب تبراً بتبر، بيع الذهب بالذهب مصوغاً بمصوغ، بيع الذهب بالذهب مضروباً نقداً بمصوغ، مضروباً نقداً بتبر، كل هذه المسميات داخلة تحت قوله: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا ... ) ، حتى قال بعض العلماء: ولو كان أحدهما مغشوشاً والثاني سليماً فلا يجوز أن تبيع ذهباً خالصاً بذهب مغشوش بالنحاس -أو ما يسمى شبه النحاس الراقي الذي يشبه الذهب في لونه- وزناً بوزن، ما يجوز ولو زدت فيه؛ لأننا لا نعلم قدر المغشوش في المغشوش، ولا نستطيع أن نحكم على الذهب الصافي بالذهب الصافي هناك، إذاً مهما كانت صورة الذهب تبراً، نقداً، صافياً، مصوغاً، خالصاً أو مغشوشاً، فجنس ذهب بذهب إذا بيع هذا بهذا لا يمكن أن تكون هناك زيادة، ولا تأخير.
فالذهب بالذهب يحرم فيه الزيادة، ويحرم فيه التأخير، يعني: يحرم فيه ربا الفضل، وربا النسيئة.
وإذا أردت أن أشتري حلياً، وعندي ذهب دنانير جنيه، فالوجه الشرعي أن توضع الحلي في كفة، وتوضع الدنانير المضروبة في كفة حتى تتعادل الكفتان، والتاجر يأخذ الدنانير الذهب، والمشتري يأخذ الحلي.
ولو قال قائل: ما عندي دنانير، لكن عندي ذهب سبائك، وأريد ذهباً مصنعاً، فالوجه الشرعي أن يوضع الحلي المصنوع المزخرف في كفة، ويوضع الذهب الخام السبائك في كفة، فإذا تعادلتا صح البيع، وإذا زاد في وزن السبائك ونقص في المصوغ وقال: من أجل الصياغة؛ بطل هذا البيع، ولا يجوز، وما المخرج من هذا إذاً؟ بع السبيكة بالفضة، واشتري الحلي بالفضة، ويجوز بيع الذهب بالفضة مع الزيادة والنقص، ولا يشترط التماثل في الوزن، الفضة كيلو، وهذا الذهب ربع كيلو، فيوجد فرق في المقدار، لكن يشترط التقابض يداً بيد.
إذاً: الجنس بالجنس من هذه المسميات يشترط فيه التماثل والتقابض، مثل بيع الذهب بالذهب تبراً، مصوغاً، مضروباً، مغشوشاً، صحيحاً، مستعملاً، مكسراً، بأي صفة من الأصناف، ما دام مادة الذال والهاء والباء موجودة، فإن بيع بجنسه وجب أن يكون وزناً بوزن، يداً بيد.