(والعجماء جُبار) في بعض رواياته كما يسوقه صاحب المنتقى: (جرح العجماء جبار) والجبار: هو المجبور الذي لا دية ولا قيمة.
والعجماء: هي الدابة لكونها لا تعرب عما في نفسها، وقالوا: إن كون العجماء جباراً فيه تفصيل؛ لأنها إما أن تكون مروضة كما يقال: مؤدبة، أو لا زالت لم تدرب، وكذلك إما أن تجني بمقدمها أو بمؤخرها، وإما أن تجني وعليها قائدها أو صاحبها، أو تجني وليس عليها أو معها أحد.
وكذلك قد تكون جنايتها بالليل أو بالنهار، وكل هذا مما تتطلبه الحياة، وخاصة عندما كانت العجماء وسيلة النقل والحمل دون غيرها.
فقالوا: إذا كان إنسان يركب دابة أو يقودها فجنت بمقدمها فإن راكبها أو قائدها مسئول عن جنايتها؛ لأن بيده مقودها، أما إذا جنت بمؤخرها وهو لا يدري، فجرحها جبار، بمعنى: إذا رمحت إنساناً فجرحته فليس على صاحبها شيء.
وقالوا: إذا كانت مؤدبة وربطها في طريق عام والطريق واسع، فجاء إنسان ونخزها فرمحته فهي جبار، وإذا كانت غير مؤدبة وربطها في طريق عام ومر إنسان ولم ينخزها ولم يؤذها فرمحته فهو مسئول؛ لأنه يعلم منها أنها ليست مروضة ولا تألف الناس، وتؤذي من يمر بها، فيكون قد عرض الناس لإيذائها فهو مسئول.
وهكذا إذا جنت ليلاً أو جنت نهاراً وليس عليها أحد أو لا يقودها أحد، فإن جنت ليلاً فعلى صاحبها جنايتها، وإن جنت نهاراً فليس في جنياتها نهاراً شيء، كما في ناقة البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أكلت حرث قوم فحكم صلى الله عليه وسلم أن على صاحب الناقة حفظها ليلاً، وعلى صاحب الزرع حمايته نهاراً.
وهكذا يذكرون ما يتعلق بجناية الدابة مروضة أو غير مروضة، معها إنسان أو ليس معها إنسان، وكذلك إذا كان يعلم منها أنها غير مروضة ومر بها داخل الأسواق والأسواق مزدحمة فآذت أحداً فهو ضامن، أما إذا كانت مروضة ومتعودة دخول الأسواق فلا تؤذي أحداً، ودخل بها سوقاً فآذت إنساناً، فإن كان بمقدمها فهو ضامن، وإن كان بمؤخرها فليس بضامن.
هذا ما يذكره العلماء رحمهم الله في قوله صلى الله عليه وسلم:(العجماء جبار) .
ومن هنا -يا إخوان- ننظر إلى مدى شمول السنة النبوية فيما يتعلق بالتعامل بين الناس، سواء كان مباشراً أو عن طريق بهائمهم العجماوات.