[الحجامة من الناحية الطبية]
هنا بحث العلماء من جانب الطب في الحجامة، وجميع العلماء في السابق كان الطب النبوي معلوماً عندهم، وأعرف شيخاً جاء من باكستان لتدريس صحيح البخاري، وكان يحفظه عن ظهر قلب، وسأله البعض عن حديث في البخاري، قال: بهذا اللفظ الذي تذكره لا أعرفه، ولكنه فيه بلفظ كذا، فصحح له اللفظ، وكان طبيباً، وكان له مطب عربي في باكستان، فكان العلماء سابقاً أطباء، والحجامة من الطب النبوي، وكانت معروفة عند العرب، لكن يذكر ابن القيم رحمه الله في مبحث الحجامة ما ينبغي لكل إنسان أن يقرأه قبل أن يقدم عليها.
أولاً: هناك سن قبله لا تجوز الحجامة، وهو عين الموجود في الطب الحديث اليوم، بنك الدم لا يأخذ من شخص دون السابعة عشر من عمره، ولا يأخذ أيضاً من شخص جاوز الستين من عمره، وما بين هذين يمكن أن يأخذ بنك الدم دماً يحتفظ به عنده.
ويشترط في من يؤخذ منه أن يكون ما بين المرة والمرة فترة لا تقل عن ستة أشهر.
ويذكر ابن القيم تنظيماً آخر في موضوع الحجامة: فهو يمنعها في يوم من الأسبوع لعله يوم الأربعاء أو غيره، ويحث عليها في الصيف؛ لحديث: (لا يتبوغ بكم الدم) ، والحجامة هي الفصد، وتعني أخذ الدم من الجلد بعد تشريطه تشريطاً خفيفاً جداً، ثم يؤتى بآلة ماصة، أو عن طريق تفريغ الهواء أو الشفط، فيبتز الدم من الجلد، أو بالفصد من العرق مباشرة كما يعمل في أخذ الدم من صحيح إلى مريض، عندما توضع الإبرة في العرق، والدم يخرج سائلاً متدفقاً إلى الوعاء، فهذا فصد: أخذ الدم من العرق مباشرة، والحجامة: أخذ الدم من الجلد بطريق الشفط أو بتفريغ الهواء وغيره.
وهناك -كما يقال- الكاسات الجافة التي توضع لأخذ الرطوبة، كطريقة الحجامة سواء، ولكن ليس هناك تشريط، ولا خروج دم ولكن امتصاص الرطوبة من وراء الجلد من الجسم، وهذا يستعمل في علاج الرطوبة كالروماتيزم ونحوها.
وهنا احتجم صلى الله عليه وسلم، وذكر: (لو أن دواء يصل الداء لوصلته الحجامة) ، أي: أن الحجامة أهم ما تكون في الأدوية، وبحثها طبياً على حدة، والذي يهمنا هنا: أن ما قيل عن أجره: خبيث قد دفعه له، ولن يدفع صلى الله عليه وسلم شيئاً خبيثاً لإنسان.
وبعضهم يقول: خبث أجر الحجام لأنه مؤاجرة على عمل مجهول، فلا يدري كم سيأخذ من الدم، ولا كم سيستغرق من الزمن، ولا ندري ولا ندري.
إلى غير ذلك.
وعندهم: كل داء في البدن له موضع معين للحجامة، فقد يحجم عن الضرس في القفا، وعن الصداع في الجانب، وعن كذا في الظهر، وكل هذه أمور طبية تكلم عنها ابن القيم رحمه الله باستفاضة.
إذاً: الأعمال التي قد يتمنع عنها بعض الناس أجرها فيه ما فيه، ومن هنا كان العرب يأنفون من الأعمال التي فيها دناءة، ولا تجد إنساناً حراً -مثلاً- عربياً يعمل بكنس الشوارع، ولو جاع، بل قد يحمل نفسه فوق طاقتها ويبني في الشمس في الحجر والطين ولا يعمل المهن التي فيها نوع امتهان للعامل، وهذه من عادات الشعوب، بعض الشعوب ليس عندهم أي نوع من العمل عيب، ولكن العيب في مد اليد، أو الأكل بغير وجه مشروع: السرقة، السلب، النهب.
أما العرب فيقطعون الطريق ويسرقون ولا يعملون الأعمال -في نظرهم- الممتهنة.
وهذا فيه نظر.