وهكذا كل شيء مجهول أو معجوز عن تسليمه، وقد سبق أن أشرنا إلى المال المغصوب: كإنسان غصب من إنسان سيارة أو فرساً، ولا يقدر المغصوب منه أن ينتزع ماله من غاصبه ويسلمه للمشتري، فلا يصح بيعه، فلو جاء إنسان وقال: أنا قادر على أن آخذ المغصوب من غاصبه، فبعه عليّ، فباعه عليه، فذهب المشتري لأخذه، فإن قدر على إخراجه من يد الغاصب تم البيع، وإن عجز فإنه يرجع على المالك، ويسترجع الثمن، ولكن إذا باعه على نفس الغاصب فإنه يصح؛ لأنه لا يحتاج إلى تسليم جديد، فهو في يده ومتمكن منه.
وهكذا لو كان لإنسان -مثلاً- بضاعة في سفينة، والسفينة في البحر، ولا يدري ما هي النتيجة، فلا يحق له أن يبيع ما على ظهر هذه السفينة ولو كان ملكه؛ لأنه إلى الآن لا يستطيع أن يسلمه، ولا يتمكن من ذلك، وقد اشتراه ولم يقبضه، إلا إذا كان له هناك وكيل يستلم عنه من الشركة التي اشترى منها، ولو كان الوكيل من شركات التأمين كالتأمين البحري؛ لأن شركات التأمين التجاري البحري تقوم مقام الوكيل عن الأصيل في الشراء، فهو اشترى وبقي الاستلام والشحن والمجيء إلى ميناء بلده، فشركه التأمين التجارية تقوم عنه بالوكالة، فتستلم السلعة من الشركة التي تبيع، أو من المصنع الذي ينتج، وتتولى شحنها في أوعية تناسبها، ثم تتعاقد مع الباخرة التي توصلها إلى ميناء بلد المشتري، أي: المؤمِّن، وعليها أن تنظر الباخرة التي ستنقلها أهي صالحة للإبحار في تلك المحيطات أم لا؟ وكذلك اليوم الذي ستبحر فيه أهو يوم صالح للإبحار أم فيه عواصف وزوابع؟ فهي مسئولة عن هذا كله، ولهذا لو تلفت البضاعة بسبب تفريطها في نوعية السفينة التي تبحر بها، أو في اليوم الذي يسمح لها بالإبحار؛ كانت ضامنة لما تلف بسبب تفريطها.
فإذا كان له وكيل يستلم؛ فاستلام الوكيل كاستلام الأصيل، فإذا جاءت إلى الميناء ووضعت في مستودعات الجمارك باسمه، فله أن يبيع منها؛ لأنها في ملكه، وعلى اسمه، وفي مستودعات عامة، وليس مستودع تاجر يشتري منه، ولكن مستودعات مؤمنة لجميع التجار، وكل بضاعة وصلت هناك فهي باسم صاحبها.
فإذا عجز عن تسليم السلعة في أية حالة من الحالات فلا يجوز بيعها، وكذلك لو لم يستقر ملكه عليها، كما تقدم في قسمة المغانم، وقسمة الصدقات، فهو له حظ في الغنيمة، ولكن كم؟ لا ندري، وما نوعيته؟ لا ندري، فله حق ثابت، ولكن لا يستقر له هذا الحق إلا بامتلاكه وقبضه، وكذلك الصدقات، له سهم في الصدقة وجاءت الصدقات، وعرف له سهم كذا، ولكن لا يستقر ملكه للصدقة حتى يقبضها، وكذلك الهبة، كإنسان وهب إنساناً شيئاً ولم يستلمه؛ فلا يحق له أن يبيعه؛ لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض.
والخلاصة: أنه إذا استوفى الشروط: بأن كان مملوكاً للبائع ملكاً تاماً، وكان يقدر على تسليمه، وكان معلوماً لا غرر فيه؛ صح البيع، وما عدا ذلك فلا.