قال المؤلف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان) ، متفق عليه واللفظ لـ مسلم.
في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عدة قضايا: القضية الأولى أنه صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يداوم الصوم حتى يقول أهل بيته: لا يفطر، وأحياناً يداوم الفطر حتى يقول أهل بيته: لا يريد أن يصوم، أي: أنه ليس في هذا العمل منهج مقعد مرتب منظم كالمشروع وهو رمضان كما قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:١٨٥] وما عداه فهو عمل اختياري، إن شاء صام وإن شاء أفطر، فليس فيه التزام بزمن معين في صوم ولا زمن معين في فطر، وهذا هو عين التطوع أنه إنما يكون باختياره، وهذه قاعدة هامة جداً لئلا يكون للإنسان في النوافل منهج التزام كالفرائض، وأما حديث:(إن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه) ، فنقول: نعم، هذا إذا داوم عليه رغبة، وإذا داوم عليه دون إلزام ودون التزام له حتى لا يوهم أنه مفروض عليه.
القضية الثانية في الحديث:(ما رأيته أكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان) .
والقضية الثالثة في الحديث: كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم في شعبان، ولذا قالت:(أكثر ما رأيته يصوم في شعبان) ، وجاء في روايات منها:(كان يصومه كله)(كان يصومه إلا أقله) ، فأخذ العلماء من (كله) جواز صوم شهر شعبان كاملاً، ولكن قولها رضي الله تعالى عنها:(وما رأيته أكمل صيام شهر قط إلا رمضان) ، فيه أنه كان يكثر الصوم في شعبان.