يذكر لنا المصنف هذا الحديث عن أبي نعيم رضي الله تعالى عنه أنه صلى وراء أبي هريرة فسمعه يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ومبحث بسم الله الرحمن الرحيم وهل هي من الفاتحة تقدم الكلام عليه، والجديد في هذا الحديث: أنه إذا فرغ من قراءة الفاتحة يقول: آمين.
ومبحث التأمين في الصلاة قد أخذ حيزاً أيضاً ليس بالقليل، وناقشه كثير من علماء الحديث والتفسير، فتجدون أن القرطبي وابن كثير قد أفردا له فصلاً خاصاً في تفسير سورة الفاتحة، وأوسع من تكلم عنها في كتب الحديث لعله ابن حجر في فتح الباري فيما بوب عليه البخاري:(الإمام يجهر بآمين) .
وجاء في فضل (آمين) نصوص سيذكر المؤلف بعضاً منها، فمما جاء فيها عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حسدتكم يهود ما حسدتكم على آمين، وفي صفوف الصلاة، وفي السلام) ، أي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعض الروايات تزيد:(وفي الجمعة، ضاع عليهم يوم الجمعة، وهديتم إليه) ، فقد بين صلى الله عليه وسلم: أن اليهود والنصارى أضاعوا يوم الجمعة، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وهدى الله المسلمين إلى يوم الجمعة، وكذلك ضيعوا موعد الصيام بالتقديم والتأخير.
إلى آخره.
وجاء في (آمين) أيضاً عند البخاري وغيره: (إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين) ، أو:(إذا أمَّن الإمام فأمنوا) ، وكلها تلتقي عند معنى واحد؛ (فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ، ويبحثون في تأمين الملائكة، أي نوع من الملائكة هم، وأية موافقة؟ قيل: الملائكة هم الحفظة الذين مع الإنسان يكتبون عليه أعماله، وقال الجمهور: الملائكة، عالم السماء عامة، وجاء اللفظ صريحاً:(من وافق تأمينه تأمين من في السماء) ، يعني: الملائكة، والموافقة كما يصححه الباجي: إنما هي في الزمن، وغيره يقول: وافق تأمين الملائكة في الإخلاص في الاجتهاد في حسن النية.
إلى آخره، ولكن كما بين الباجي وغيره: يصعب أن تكون الموافقة تامة في ذلك، ولكن الذي يمكن أن تكون هي الموافقة الزمنية.
إذاً: قول القارئ خلف الإمام: (آمين) ثابت بالسنة، والشوكاني في نيل الأوطار يذكر عشرة أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في التأمين، ويقول: وثلاثة أخبار عن الصحابة موقوفة عليهم، ومما جاء موقوفاً: أن عبد الله بن الزبير كان يقول: آمين، وكان من خلفه يقولون: آمين، حتى يسمع للمسجد رجة، وجاء أيضاً عن أم المؤمنين عائشة في هذا المسجد، وسيذكر المؤلف رحمه الله النصوص الواردة.
أما موقف العلماء من قول المأموم:(آمين) ، فيذكره شراح الحديث والمفسرون: أما الشافعي وأحمد رحمهم الله فيقولان: يقولها المأموم والإمام جهراً في الجهرية وسراً في السرية، وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله: لا يقولها الإمام، ولكن يقولها المأموم، وعن مالك رحمه الله روايتان: رواية توافق الشافعي وأحمد، ورواية توافق أبي حنيفة بأن الإمام لا يقولها، والروايتان بحسب علماء الأمصار، أما علماء المدينة فيروون عن مالك مثل الشافعي، أما أهل الكوفة ومصر فينقلون عن مالك: أن الإمام لا يقولها وإنما يقولها المأموم، وما عدا ذلك من الأقوال فهو خارج عن دائرة الأئمة الأربعة، ولا حاجة إلى إطالة الكلام فيها.
يقول الشوكاني وابن عبد البر: النصوص الواردة تدل على أنها مشروعة، وأنها سنة، وأن الإمام والمأموم يقولانها، ويتحرى المأموم تأمين الإمام ليكونا معاً في وقت واحد؛ ليوافق ذلك تأمين الملائكة.