[حكم الاستعانة بالكافر]
وهنا قبل أن نأتي إلى الدروع نأتي إلى ما هو أهم من ذلك، صفوان لا زال على دين قومه مشركاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقاتل مشركين، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويستعين بـ صفوان ويستعير منه أدرعاً وصفوان ما زال مشركاً، فهل في هذه الاستعارة استعانة أو لا؟ الجواب: نعم، فيها استعانة، وهي استعانة بمشرك.
إذاً: نقف هنا ونقول بكل وضوح إلى أنه لا مانع للمسلم إن احتاج أن يستعين بغير المسلم على عدو دينه سواءً كان العدو مشركاً أو كتابياً أو غير ذلك، وهذه المسألة كنا قد سمعنا فيها سابقاً كلاماً كثيراً وما أحببنا الخوض فيها ولا الوقوف عليها أو تناولها.
واستدل بعض الناس بحديث: (ارجع فإنا لا نستعين بمشرك) وكتبت الصحف في ذلك وتكلم الناس واستدلوا بما ذكرنا بحديث الرجل الذي أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء وقال: (خرجت أقاتل معك -حمية لقومه- وأرجو الغنيمة، فقال له: أسلمت؟ قال: لا، قال: ارجع لا نستعين بمشرك) ، ثم رجع إليه وفي المرة الثالثة (قال: نعم، أسلمت، قال: فامض إذاً) فهناك يقول: (لا نستعين بمشرك) وهنا يستعير من مشرك، والناس لهم في هذا نظران: قالوا: إن غزوة بدر كانت في السنة الثانية فقال: (لا نستعين بمشرك) من أجل ترسيخ العقيدة، ووضع خط الفصل بين الإيمان والشرك، وعزل المؤمنين عن المشركين واستقلالهم بذاتهم وتميزهم، وأما في حنين فقد تميز الإسلام بذاته، وأصبحت له خصوصيته ومكانته ودولته فلا يضره بعد ذلك مخالطة المشركين.
وبعضهم يقول: ما كان في بدر فهو في السنة الثانية وما كان في حنين فهو في السنة الثامنة والمتأخر ناسخ للمتقدم، ووالدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث هذه المسألة في أضواء البيان وذكر فيها أقولاً عديدة، ورجح جواز الاستعانة بغير المسلم ما لم يكن في ذلك حيف أو مضرة على الإسلام أو المسلمين.
وفي قصة الهجرة التي هي من أخطر أحداث الإسلام كان الصديق رضي الله تعالى عنه حينما كان مع رسول الله ذاهبين ليلاً من البيت إلى الغار فكان يمشي تارةً خلفه وتارةً أمامه وتارةً عن يمينه وتارةً عن يساره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بالك يا أبا بكر؟! قال: يا رسول الله! أتذكر الرصد فأكون أمامك، وأتذكر الطلب فأكون وراءك، قال: أوددت لو كان شيء أن يكون فيك أنت؟ قال: نعم، يا رسول الله! إن أهلك أهلك وحدي أما أنت فمعك الرسالة) ، فهذه مخاطرة في الخروج في الهجرة في كونه يشق مواقع ومنازل القبائل المعادية ويخاطر أمام فداء بمائة ناقة لمن أتى به حياً أو ميتاً، ولكن عناية الله هي التي كانت ترعاه.
فهنا حدث الهجرة من أخطر أحداث الإسلام ولهذا لما فكر عمر بنظره الثاقب ونوره الإيماني بوضع التاريخ اعتبر الهجرة هي بداية التاريخ؛ لأن بها انتقل الإسلام من المطاردة إلى المهاجمة، ومع هذه الخطر كان دليل الركب في الهجرة عبد الله بن أريقط.
وعبد الله بن أريقط كان على دين قومه ومع كونه على دين قومه كانوا يأتمنونه على أرواحهم ورواحلهم وزادهم وأسرارهم، وتواعدوا معه عند الغار بعد ثلاث؛ لأن عنده المروءة، والرجولة، والصدق، والوفاء، وهذه جعلته يتعالى فوق الماديات، فضحى بنفسه، وما ذهب يقول للمشركين: تعالوا أنا أدلكم عليهما وأعطوني المائة حتى تكون غنيمة لي طول عمري؛ ولكن هذه المائة لا قيمة لها في الغدر، ففي هذه القصة استعانة بمشرك في أخطر وقائع الإسلام.
نأتي أيضاً إلى تعامل الرسول في المدينة مع اليهود فقد كان يعاملهم ويبيع ويشري منهم، وفي نهاية الأمر كان درعه مرهوناً عندي يهودي في ثلاثين صاعاً من طعام، فبالنظر إلى قضية صفوان نهدئ ما في ثائرة نفوس بعض الإخوة في قضية (لا نستعين بمشرك) ويمكن الاستدلال أيضاً من نفس الواقعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوم خرج إلى بدر هل خرج لقتال جيش أو لأخذ عير؟ الجواب: خرج لأخذ عير، يعني: أنه في غنىً عن أن يستعين بمشرك، ولا توجد حاجة داعية لهذه الاستعانة، لكن إذا كانت الحاجة داعية فسيتغير الموقف ويتغير الحكم، فلو قلنا: إنه رده في بادئ الأمر ليتميز الإسلام عن غيره بخط واضح عريض فلا بأس بهذا القول، وإن قلنا إنه رده كما يقول بعض العلماء: لعلم رسول الله بما أعلمه الله أنه إذا رده يسلم فيكون رده لا لكونه مشركاً ولكن بغية أن يسلم، ولكن هذا الشيء نحن لا ندخل فيه؛ لأنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، والأعمال التشريعية هي للأمة وهو ما عنده علم بأنه سيسلم أو لا يسلم.
لكن إذا قلنا: بأن الواقعة التي توجه إليها صلى الله عليه وسلم في نظره وفي تقديره وفي حكم القوة والعسكرية كما يقال، تدل على أنه ليس في حاجة إلى عدد كثير؛ لأنه عند خروجه من المدينة قال: (من كان ظهره حاضراً فليركب) واستمهلوه أن يأتوا برواحلهم من العوالي، فقال: ما أنا بمنتظر، فإذا كان ما هو بمنتظر للمسلمين فهل يبقى في حاجة إلى أن يأخذ مشركاً؟! وأما هنا فالموقف مغاير؛ لأن هوازن ذات شوكة، ونحن نعلم ماذا حدث حينما بادروهم بالنبل عند نزولهم الوادي فرجعوا حتى نادى رسول الله العباس وأمره أن ينادي أصحاب الشجرة -أهل بيعة الرضوان- وأهل العقبة فناداهم فرجعوا والتفوا حوله وكان النصر، فلم تغن عنهم كثرتهم في ذلك اليوم.
إذاً: هو كان في حاجة إلى عدد أكثر، وفي حاجة إلى عتاد يوازي أو يغطي حاجة العدد الجديد الذي خرج معه من مكة.
إذاً: نحن في الوقت الحاضر قد تطرأ على المسلمين أحداث، ويكون عدوهم أكثر منهم عتاداً وعدة ورجالاً، ونجد من غير المسلمين من يمد المسلمين بالإعارة أو بالإجارة أو بالهبة أو بأي صفة كانت، فهل نتوقف عن هذه الإعارة أو الإجارة ونترك العدو يتمكن منا أو نقبل عارية المشرك أو حتى ما وراء الآلة؟ الجواب: أننا نقبل، وقد ذكرت لكم كلمة الملك فيصل رحمه الله في هيئة الأمم، عند أن استحكم المعسكر الشيوعي وبدأت المملكة في مبدأ تنويع مصادر السلاح؛ لأن وحدة مصدر السلاح خطر على الأمة؛ لأن الأمة تكون تحت رحمة مصدر سلاح واحد، وأنتم تعلمون أن في حرب العبور بعض الدول سحبت طيرانها من المعركة، فلو كان الاعتماد على جهة واحدة لوقفنا، وروسيا بالذات امتنعت أن تقدم قطع الغيار لطيرانها الموجود في مصر إلا بدفع القيمة نقداً وبالعملة الصعبة، ومصر في ذلك الوقت ليس عندها عملة صعبة ولا سهلة؛ لأنها في حرب، خرجت من ثلاثة حروب، فكيف يكون الحال؟! واعتقد أن هذا ليس بسر؛ لأنهم يقولون: أخبار الحروب بعد خمس عشر سنة لم تعد سراً، فالملك فيصل سجل أعظم موقف في الحروب وفي التاريخ، فلما أخبره السادات بالموقف استشار الملك فيصل مستشاريه الماليين فقالوا: ما عندك مال، فقال: بل عندي، فقالوا: نحن المختصين بالمال نعرف أنه ليس عندك، وأنت تقول: عندي، فمن أين؟ قال: من رصيد الريال في البنك الدولي، فالريال كان ضمانه كاد أن يصل إلى مائتين في المائة ويصير من العملة الصعبة، فأخذ من رصيده شيكاً مفتوحاً ودفع للسادات ما دفعه لروسيا قيمة قطع الغيار واستمرت الحرب.
وهنا أخذ الملك فيصل في ذاك الوقت سلاحاً من روسيا شراءً، فقالوا له: أنتم دولة إسلامية وتحاربون الشيوعيين ثم تشترون منهم سلاحاً! فقال: أنتم امتنعتم أن تبيعوا لنا ونحن اشترينا منهم حديداً مصنعاً وليس مبادئاً شيوعية، أي: أن الذي اشتريناه هو حديد مصنع ليس فيه مبادئ شيوعية، والمدفع الروسي والمدفع الأمريكي كلاهما حديد مصنع وليس بينهما فرق.
يهمنا أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم واستعارته الدروع من صفوان وهو على دين قومه مبدأ من مبادئ الحروب مع العدو إذا احتاجت الأمة من غيرها عتاداً عارية أو شراءً أو استئجاراً.