قال رحمه الله تعالى: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) متفق عليه، وزاد مسلم:(والنصارى) .
ولهما من حديث عائشة:(كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً) ، وفيه:(أولئك شرار الخلق) ] .
أن ذكر المؤلف رحمه الله الأمر ببناء المساجد في الدور ذكر بعض المخالفات المنكرة المتعلقة بتشييد المساجد، ثم ذكر بعد ذلك بعض الأحكام التي تتعلق بحرمة المسجد.
ثم جاء بعد ذلك بالتحذير مما كان من الأمم قبلنا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ، وزاد مسلم:(والنصارى) .
الطرد، وفي هذا الأمر ينظر في الفعل واستحقاق فاعله اللعن، وينظر في لعن المعين كيهودي أو نصراني وهو ما زال على قيد الحياة.
قالوا: اللعن لا يتأتى إلا إجمالاً، فتقول: لعن الله الكافرين، والمشركين، واليهود، والنصارى، والمجرمين، والظالمين، والطغاة، أما الشخص المعين فلا يجوز لك أن تلعنه، ولو كان كافراً مشهراً كفره، أو ظالماً معلناً ظلمه؛ لأن اللعن بالوصف يعم، ولا يتقيد بشخص، فما دام الوصف موجوداً توجه إليه، أما الشخص بذاته فقد يتوب الله عليه، وأنت قد عينته فألحقت به اللعنة، وقد يتوب عن موجبها، فتكون وصمته بذلك، والله سبحانه وتعالى قد تاب عليه مما كان فيه.
أما إذا مات على ذلك الحال -على الكفر خاصة- فهو كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}[النساء:٤٨] ، فمن مات على الإسلام -مهما كانت حالته، من تقصير أو عدم أداء لواجب- لا يجوز لعنه؛ لأن أمره مفوض إلى الله وما دام أمره لله، فلا نتدخل نحن في ذلك، ولا نحكم عليه بخير ولا بشر، نعم نحكم بأنه كان على وصف كذا، أما مصيره في الآخرة فليس لنا ذلك.
فهنا اللعن على جملة اليهود، وعلى جملة النصارى جاء مسبباً، بقوله صلى الله عليه وسلم:(اتخذوا -أي: ابتدعوا، وابتكروا، وفعلوا- قبور أنبيائهم مساجد -وتأتي التتمة- وصالحيهم) .