شرح حديث:(كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) .
رواه البخاري وأبو داود واللفظ له] .
حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها قالت:(كنا لا نعد الكدرة ولا الصفرة شيئاً) ، وفي بعض الروايات:(كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وبهذا يكون الخبر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهو علم به وأقرهن عليه، وفي رواية:(بعد الطهر) .
ويتفق العلماء على أن المرأة إذا رأت الطهر ثم أعقب ذلك كدرة، أي: ماء مكدراً بلون الحمرة، أو ماء مكدراً بلون الصفرة، فلا تعتبر هذه الكدرة ولا الصفرة شيئاً بالنسبة للحيضة، وتبقى على طهرها الذي دخلت فيه، ويتفقون على أنها إذا رأت هذه الكدرة أو الصفرة أثناء الحيضة، بأن جاء بعدها دم أسود أو جاء بعدها دم العادة المعروف؛ فإنها تكون من أيام الحيض، فمثلاً: رأت الدم ثلاثة أيام، ورأت الكدرة والصفرة يوماً أو يومين، ثم رأت بعد ذلك الدم بقية الستة أو السبعة الأيام؛ فتلك الكدرة وتلك الصفرة في اليومين وسط العادة تعتبر حيضة لا تصلي فيها، ولا تصوم فيها، أما إذا رأت ذلك بعد أن طهرت وتطهرت واغتسلت فلا يلتفت لذلك.
وكيف تعرف المرأة أنها طهرت من الحيض؟ ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:(أن نساء الأنصار كن يرسلن إليها في الدلجة -يعني: في غلس الليل- بالكرسف) ، أي: بالقطن فيه الماء من محل الحيض، وقد اشتبه عليهن: هل هذا يعتبر طهراً أم لا؟ فتقول رضي الله عنها لهن:(لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء) ، والقصة البيضاء هي: ماء أبيض ثخين، يفرزه الرحم في نهاية الحيض، فتعلم به المرأة أن الحيض قد انتهى، ويقول الأطباء: إن هذا الماء الأبيض الذي يعقب الحيض هو بمثابة التليين لجدار الرحم؛ ليكون مبطناً ملطفاً بهذا الماء؛ ليستقبل البويضة الجديدة بعد أن نبذ وأخرج البويضة القديمة التي لم تلقح، فيقولون: هو بمثابة المهاد والفراش للضيف الجديد المنتظر.
فالحيض إذا انتهى أفرز الرحم هذه المادة البيضاء؛ ليبطن بها جدار الرحم ويلطفه، حتى إذا جاءت البويضة ووجدت هذا الماء علقت به.
إذاً: المرأة تعرف نهاية حيضتها إذا رأت القصة البيضاء، فإذا رأت القصة البيضاء علمت أنها طهرت، وبقي عليها أن تتطهر أي: تغتسل، فإذا رأت القصة البيضاء فلا تنظر إلى ما يأتي بعد ذلك، كما قال الفقهاء رحمهم الله في الدم المسفوح: إذا ذبحت الشاة، ثم أخذ اللحم ووضع في القدر، وغلا به الماء، فربما يظهر على وجه الماء لوناً أحمر من أثر الدم الذي داخل العروق في اللحم، فهذا لا ينظر إليه، ولا يضر اللحم، ولا يقال: إنه دم نجس؛ لأنه من بقايا الدم في العروق، وليس مسفوحاً، فكذلك الكدرة أو الصفرة عندما تراها المرأة بعد أن رأت الماء الأبيض واغتسلت، فإنها لا تعتبر هذا شيئاً، ولا تترك صلاتها ولا صيامها، والله تعالى أعلم.