(نهانا أن نستقبل) هل هذا النهي شامل لمن قضى حاجته في الخلاء وفي المراحيض في البيوت أم أنه خاص بواحد منهما؟ الشوكاني رحمه الله ذكر حوالي عشرة أقوال، وهذا أنسب ما يرجع إليه طالب العلم ليقف على تلك الأقوال بأدلتها والراجح منها، فهناك من يقول: إن هذا النهي خاص بالأرض الفلاة التي ليس فيها بين الإنسان وبين القبلة حاجز، فإذا وجد حاجز في الخلاء خرج عن النهي، واستدل قائل هذا القول بما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سفر، ثم أناخ راحلته واستتر بها متجهاً إلى القبلة وقضى بوله، فقيل له:(يا أبا عبد الرحمن! ألم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة بغائط أو بول؟ فقال: إذا كان بينك وبين القبلة حاجز فلا بأس) إذاً: يكون النهي خاصاً بالخلاء إذا لم يوجد ساتر.
المراحيض في البيوت هل يشملها هذا النهي؟ الجمهور على أنه من باب الأفضلية أن يتجنب استقبالها واستدبارها، عملاً بعموم حديث سلمان، والبعض يقول: ما دام في البنيان وفيه السترة فلا مانع، وهناك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت:(قيل لرسول الله: إن أناساً يمتنعون -أو يتأبون أو يكرهون- أن يواجهوا القبلة بفروجهم! فقال: أو فعلوا ذلك؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة) والمضاف والمضاف إليه لا يكون إلا في مكان مخصوص كالمراحيض في البيوت التي فيها بنيان.
قوله:(حولوا.
الحديث) في هذا الحديث شيء من الكلام، لكن قد قدمنا أن هناك من قال: إذا كان في البنيان فلا مانع، وإذا كان في الخلاء وهناك حاجز فلا مانع، إنما ينصب النهي على من كان في الخلاء ولا ساتر عنده، فهذا لا يستقبل ولا يستدبر إذا كان على سمت المدينة من مكة، أما إذا كان شرقيها أو كان غربيها فإنه إن يستقبل أو يستدبر فلا شيء عليه؛ لأنه لا يسامت الكعبة باستقباله القبلة -أي: الجنوب- من حيث هو؛ لأنه جاء في هذا الحديث:(لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا) ؛ لأن الذي يتوجه إلى الشرق لا يكون أمامه البيت الحرام، ولا خلفه المسجد الأقصى، وكذلك الذي يغرب ليس أمامه من القبلتين شيء.
وعلى هذا قالوا: إن هذا الحديث يتوجه إلى أهل الحجاز أو أهل المدينة ومن في حكمهم؛ لأن استقبال القبلة يكون فيه استدبار بيت المقدس، واستقبال بيت المقدس يكون فيه استدبار القبلة.
وهناك أقوال أخرى كمن يجوز الاستقبال ولا يجوز الاستدبار، وسيأتي زيادة بيان في هذا الموضوع عند النصوص الأخرى إن شاء الله.