[استحباب صلاة ركعتين قبل المغرب]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة) رواه البخاري] .
هذا الحديث يتعلق بصلاة قبل المغرب، وتقدم في حديث ابن عمر وأم حبيبة ركعتين بعد المغرب، وأم حبيبة أطلقت في الحديث، وابن عمر قيد الصلاة في البيت، ولكن الجديد هنا قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب) هل المراد: قبل وجوب المغرب أم قبل صلاة الفريضة؟ قبل صلاة الفريضة؛ لأن قبل وجوبه عند الغروب الصلاة فيه ممنوعة، إذاً المعنى: صلوا قبل أن تصلوا المغرب، ثم كررها صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة قال: (لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس سنة أي: أن يداوموا عليها.
بعض العلماء يرى أن هذه الصلاة مطلوبة من جانبين: الأول: قوله: (قبل المغرب) معناه: بعد الأذان، أي: أن الإقامة لم تأتِ فهي ما بين الأذان والإقامة.
الجانب الثاني: قوله صلى الله عله وسلم: (بين كل أذانين صلاة) .
وهذا الحديث ينطبق على الصلوات الخمس؛ لأن سنة المغرب القبلية تصلى بين الأذان والإقامة، وعلى هذا كان السلف رضوان الله تعالى عليهم يصلون قبل المغرب.
وبعض الفقهاء يفصلون فيقولون: ما دامت المسألة: (لمن شاء) فهذا يرجع فيه إلى طبيعة الناس في صلاتهم، فعند المالكية لا صلاة قبل المغرب؛ لأن وقت المغرب عندهم ضيق، وهو كذلك عند الجمهور فالمغرب وقته واحد؛ لأن جبريل عليه السلام لما نزل يصلي بالرسول صلى الله عليه وسلم نزل في اليوم الأول فصلى الصلوات الخمس على أول وقتها: الصبح عندما طلع الفجر، والظهر حين زالت، والعصر إذا كان الظل قدر مثله، والمغرب إذا غربت، والعشاء إذا غاب الشفق، ومن الغد جاء فأخر الصبح إلى قرب طلوع الشمس، وأخر الظهر إلى آخر وقتها، وأخر العصر إلى اصفرار الشمس، والمغرب صلاها في وقتها الذي صلاها فيه بالأمس، ولم يغاير في وقتها، والعشاء أخرها إلى ثلث الليل، فإذاً: كل فريضة من الصلوات الخمس لها وقت واسع ما عدا المغرب، فالصلوات الأربع لها أول وآخر، ولكن المغرب صلاها في اليومين المتتاليين في وقت واحد، وجاء هذا عنه صلى الله عليه وسلم، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما وقت الصلاة يا رسول الله؟ قال: أقم معنا إلى الغد) فأقام اليوم، في هذا اليوم صلى النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصلوات في أول وقتها، ومن الغد صلاها كلها في آخر وقتها إلا المغرب صلاها في نفس الوقت الذي صلاها بالأمس، ثم قال: (أين السائل عن وقت الصلاة؟ قال: هأنذا يا رسول الله! قال: الوقت ما بين هذين) يقول المالكية: إذاً: المغرب لها وقت واحد، وعندهم يخرج وقت الفريضة بما يساوي الوضوء وركعتين مباشرة وصلاة المغرب ثم ينتهي الوقت، فيقولون: إذا كان الإنسان يصلي لنفسه أو الإمام بجماعته والكل حضور في المسجد، فأذن للمغرب أقام الصلاة فريضة حالاً، ولا صلاة قبلها، وإذا كان الإمام يتأخر، أو جئت إلى المسجد بعد الأذان ولم يأت الإمام، وتعلم أنه سيتأخر قدر ركعتين فصل الركعتين.
وعلى هذا فالصلاة قبل المغرب جائزة عند الجمهور ما لم يكن فيها تأخير لصلاة المغرب عن أول وقتها.
وكان السلف رضوان الله تعالى عليهم إذا أتوا المسجد لصلاة المغرب وقد أذن ابتدروا السواري يصلون النافلة، حتى لو دخل إنسان لظن أن الصلاة قد انتهت -يعني: صلاة الفريضة- لكثرة ما يرى من صلاة الناس، كأنهم يصلون السنة بعدها.
وعلى هذا يأتي التخيير، والربط بالمشيئة في هذه النافلة بالذات لظروف وقت المغرب: (صلوا المغرب) كررها ثلاثاً ثم قال في الثالثة: (لمن شاء) .
قال رحمه الله: [وفي رواية لـ ابن حبان: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين) ] .
يريد أن يثبت المؤلف رحمه الله أن هذه الصلاة قبل المغرب ثبتت بالسنة القولية، وبالسنة الفعلية منه صلى الله عليه وسلم، إذاً: ينبغي للأئمة ألا يضيقوا على الناس، وأن يكون الإمام حاضراً في المسجد، وإذا تأخر يأتي بسرعة، ليس هناك تأخير للفريضة، فصلاة ركعتين فيها فرصة لمن كان متأخراً لأن يحضر، وفيها إحياء للسنة النبوية بالصلاة قبلها، أما إذا جاء متأخراً فلا ينبغي له أن يقدم السنة على الفريضة، بل يبدأ بالفريضة حالاً.
قال رحمه الله: [ولـ مسلم عن ابن عباس قال: (كنا نصلي ركعتين بعد غروب الشمس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرانا فلم يأمرنا ولم ينهنا) ] .
أي: لم يكن يأمرنا ولم ينهنا بعد غروب الشمس وبعد الأذان للمغرب، ما دام أنها لمن شاء لا يأمر أحداً ولا ينهى أحداً، وإلى هنا تكون السنة تقريرية وفعلية وقولية، والسلف منهم من يفعل، ومنهم من يترك.
تنبيه: جاء في الشرح لهذا الكتاب المبارك أن مجموع النوافل التي ثبتت عشرون ركعة، ولنأخذها بالجملة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وأربع بعد الظهر، وأربع قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل المغرب لمن شاء، إذاً: مجموع النوافل تطوعاً مع الصلوات الخمس عشرون ركعة.
ويضيف المؤلف من باب الطرفة العلمية أن ابن القيم قال: مجموع الصلوات في اليوم والليلة فريضة مع نافلة سبع وثلاثون ركعة، ويضاف إليها ثلاث ركعات الوتر، فيكون المجموع أربعين ركعة، ولكن أحب التنبيه على أن الصحيح أن مجموع النافلة مع الفريضة خمسون ركعة؛ لأن المؤلف اعتبر الوتر ثلاث ركعات فقط، ولكن جاء في حديث: (أوتروا بثلاث بخمس بسبع بتسع بإحدى عشرة ركعة) وجاء في حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة) ، فسبع وثلاثون ركعة بالإضافة إلى ثلاث عشرة ركعة وتراً تصبح خمسين ركعة، أقول ذلك لأن بعض العلماء يقول: فرضت الصلاة في أول الأمر خمسون صلاة، وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يتردد بين المولى وبين موسى عليه السلام في التخفيف حتى خففت إلى خمس، وقيل: هي في العدد خمس، وفي الأجر خمسون، فقال بعض العلماء: لو جمعنا مجموع النافلة مع الفريضة لبلغت الخمسين، إذاً: فرضت الخمسون، وبقيت ليس على سبيل الفرض، الفرض سبعة عشر والباقي تطوعاً، لماذا؟ زيادة فضل من الله على العبد، لأنه أعطاه ثمن بيت في الجنة، أعطاه: (رحم الله من صلى كذا) ، أعطاه: (خير من الدنيا وما فيها) ، وهذه كلها ذكرت مع النافلة، والله تعالى أعلم.