وهكذا تكون النتيجة: أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله لا يرى وضوءاً من مس الفرج، والشافعي وأحمد رحمهما الله يرون الوضوء من مس الفرج على العموم، ومالك وقف موقف التفصيل، فنقل عنه بأن الوضوء للندب وليس للإيجاب، وقول آخر ينقل عنه: أن الوضوء يجب إن وجد شهوة، ولا يجب ولا يندب إن لم يجد شهوة.
وهذا حاصل الأقوال في هذه المسألة، وبالله تعالى التوفيق.
وعلماء الحديث يرجحون الوضوء؛ وجاء هذا القول عن بعض السلف المتأخرين، وكذلك عن بعض الصحابة، ومن ذلك ما جاء عن سعد بن أبي وقاص: أن غلاماً كان يمسك له المصحف وهو يقرأ، قال الغلام: فاحتككت، فقال لي: هل مسست فرجك؟ قلت: نعم، قال: فأخذ مني المصحف وقال: قم فتوضأ، أي: يتوضأ لحمل المصحف، فهذا عمل من صحابي يدل على أن المس يقتضي الوضوء.
وكذلك روى سالم عن عبد الله بن عمر: أنه توضأ وصلى بعد أن طلعت الشمس، فقلت له: ما هذه الصلاة التي لم أكن أراك تفعلها؟ قال: توضأت ومسست فرجي، ونسيت -أي: أن أتوضأ- وصليت، فهأنا أتوضأ وأعيد الصلاة.
فعند ابن عمر: لزوم إعادة الصلاة ولو خرج الوقت.
وعلى هذا لما عمل بذلك ابن عمر، ونقل عن عمر، ونقل عن سعد بن أبي وقاص وغيرهم قالوا: إن هذا يرجح أن اللمس ناقض، وإذا كان هناك حديثان: أحدهما: يبقي على البراءة الأصلية، ولم يزد شيئاً، والآخر: ينقل عن البراءة الأصلية إلى تكليف جديد، فالناقل يكون أولى.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.