سُئل صلى الله عليه وسلم عن الهرة فقال:(إنها ليست بنجس) ، أي: في حياتها؛ لأن الموت ينجس كل حي طاهر، وكل ميت نجس، إلا الإنسان، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء:٧٠] .
كانت بنت أبي كبش تصب الماء لزوجها وهو يتوضأ، فجاءت هرة، فأصغى إليها الإناء حتى شربت، فنظرت تتعجب! قال: أتعجبين! -يا ابنة عمي- من ذلك؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إنها ليست بنجس -يعني: ليست نجسة في حياتها- إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات) .
وقالوا: إذا رأيتها تشرب من إناء فإن شربها لا ينجسه، وهناك قول شاذ عن بعض التابعين أنه ألحقها بالكلب، يسبّع سؤرها بالغسل ويترّب، ولكن هذا شاذ مردود.
فكونها من الطوافين ومن الطوافات فقد تشرب من هذا الإناء، وتلعق من هذا، وتذهب وتدخل، وتمشي على الفراش، فهي ليست بنجس.
قوله:(من الطوافين) : مَنْ الذي يطوف علينا؟! هل هناك من يطوف علينا في الليل؟! أليس للبيوت عماراً؟! أليس يطوفون بالبيوت، فمنهم من يظهر ونراه، ومنهم من يختفي، وخاصة في المدينة؟ وقد بيّن صلى الله عليه وسلم: أن مؤمني الجن ليهاجرون إليها كما تهاجرون أنتم.
والحكايات والوقائع الفعلية أكثر من أن تحصى.
إذاً: هناك طوافون: من ملائكة، أو جن، أو مما يكون، وهي من ضمن أولئك الطوافين، وبتطوافها عرفنا أنها طاهرة، ويقول العلماء: إذا رأيتها تشرب، أو تلعق إناء فسؤرها طاهر، إلا إذا رأيت على فمها أثر نجاسة، فيمكن أن تكون لتوها أكلت فأراً، -لأن العداوة بين الفأر والقطة عجيبة جداً! - فإذا رأيت على فمها أثر النجاسة، فهذا شيء طارئ، ولكن سبحان الله! القطة عندها خصلتان، تعتبر في القمة في النظافة، حتى أكثر من بعض الناس! فإذا أكلت فريسة، حالاً بلسانها تنظف فمها، ولا يبقى على فمها أثر النجاسة أبداً، وبعض الناس تبقى الدسومة على فمه ولا يغسلها! وإذا أرادت أن تقضي حاجتها حفرت ودفنت، فهي مكافحة الأوبئة.
لقد شاهدت هرة تذهب إلى الكرسي في الحمام وتقضي حاجتها، وبعضها تقضي حاجتها على الفراش.
إذاً: الهرة من حيث هي في ذاتها ليست نجسة والحمار اختلفوا في ذلك؛ قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يركبه عرياً -أي بدون رحل- ومعلوم أن الحمار يعرق، ولو كان نجساً لتنجس بعرقه، ولكن الحياة أصل الطهارة كما قال مالك رحمه الله تعالى؛ ولذا الحمار يشرب من السطل، ويشرب من القدر، وسؤره ليس نجساً.