للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الربا في التمر]

قال عليه الصلاة والسلام: (والتمر بالتمر) ، التمر تتعدد أصنافه، وبعض من كتب عن تمر المدينة قديماً أوصله إلى مائتي صنف، وسمى كل صنف ووصفه، ومن الأسماء المشهورة: الحلوة، والحلية، والبرني، والشلبي، والصفاوي، وما لم يعرف له اسم عند الناس يسمى لونة، أو الجمع المختلط من عدة أشكال، فلو باع صاع تمر صفاوي بصاع تمر حلية فيشترط التماثل والتقابض، وتمر الحلية، تمر صغير، إذا يبس صار مثل الخشب، ولكن إذا لان فهو أقوى أنواع التمر طاقة مع الحلاوة، وأقوى أنواع العلف للحيوانات، وتمر الحلية قيمته ضعف تمر الحلوة، ولا يستوي هذا مع هذا، والآن بعض أنواع التمور الكيلو بمائتين ريال، وبعض منها بعشرة ريالات أو بسبعة ريالات، فلو قال إنسان: كيف أبيع هذا بهذا مثلاً بمثل؟! يا أخي! بع تمرك الجيد بالدراهم، بع الصاع بدراهم، واشتر بقيمة الصاع الواحد عشرين صاعاً من هذا، ولا يوجد مانع، تغاير الثمن عن المثمن فجاز التفاضل.

إذاً: التمر بالتمر قضية عامة، وسيأتي حديث تمر خيبر الجنيب: (أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، إنا نأخذ الصاع بالصاعين) ، وذلك كما يقول ابن عبد البر: كنا نرزق التمر، فنبيع الصاعين بالصاع، فنهينا عن ذلك، وسيأتي له زيادة بيان.

إذاً: التمر بالتمر أياً كان نوعه من المائتي صنف، إذا كان التمر ثمناً ومثمناً فلا بد أن يكون بالكيل سواء بسواء، وما كان يباع بالكيل عرفاً فلا يجوز بيعه بجنسه وزناً، والتمر مكيل أو موزون؟ الأصل فيه أنه مكيل، ويرجع في معرفة المكيل والموزون إلى عرف مكة والمدينة، فما كان مكيلاً في المدينة فعرفه الشرعي الكيل، وما كان موزوناً في مكة فعرفه الشرعي الوزن، فالتمر بالتمر مثلاً بمثل، وعرف التمر الكيل، فإذا أخذنا أحسن صنف من التمر في صاع ووضعناه في كفة، وأخذنا أردأ أنواع التمر في صاع ووضعناه في كفة أخرى، فهل يكون هناك زيادة في الحجم المكعب بين الصنفين أو يكونان متساويين؟ متساويين مثلاً بمثل، لكن إذا غايرنا العرف فيه، وبعنا كيلو بكيلو، فهل يتفق الحجم المكعب في كيلو تمر الصفاوي مع الشلبي الذي هو خفيف أو الحلية الذي هو أثقل؟ هل يتفق التماثل في الحجم المكعب؟ لا، ما يتفق، إذاً: هل حصلت المثلية؟ لا، والجهل بالمساواة كالعلم بالزيادة؛ ولهذا لا يجوز بيع صنف ربوي بجنسه إن كان مكيلاً إلا بعرفه الكيل، وإن كان موزوناً فبعرفه الوزن، فإذا غايرنا العرف، اختلف المقدار، ودخلنا في الجهالة بالمساواة، والجهالة بالمساواة كالعلم بالزيادة؛ لأننا نقطع بأن هناك زيادة، إذاً: التمر بالتمر مثلاً بمثل، وتعرف المثلية فيه بالكيل، ويكون الحجم واحداً، ولكن العرف يختلف، وباختلاف العرف يتفاوت الحجم، فالتمر بالتمر مثلاً بمثل بالكيل؛ لأن عرفه الكيل.

والذهب يوزن ولا يكال، فلو وضعت ذهباً مكسراً قدر نصف صاع، وقلت: أعطني ذهباً جديداً نصف صاع، هل يتعادل الذهبان؟ لا يتعادل، لو وضعت حلقات وخواتم قدر نصف صاع، ووضعت ذهباً آخر مصوغاً ومكسراً قدر نصف صاع، فهل حصلت مماثلة بالكيل أو لا؟ لا؛ لأن الذهب يتماثل بالوزن.

إذاً: لا يجوز بيع الصنف بالصنف بغير عرفه، فلا يجوز بيع الصنف الربوي المكيل بصنفه موزوناً، ولا الموزون مكيلاً؛ لأن اختلاف عرف التقدير يأتي بالزيادة، ويأتي بالربا.