وهنا النبي صلى الله عليه وسلم وجد القوم يلعبون على حال من الترفيه البريء، فما استنكر لعبهم، ولكن استنكر توقيت اللعب باليومين، فقال:(قد أبدلكم الله خيراً من هذين اليومين يوم الفطر والأضحى) .
ولو جئت من باب الترفيه، ومن باب التسلية، ومن باب إظهار السرور لا تجد يومين في حياة الأمة كيومي العيد، بخلاف الأفراد؛ لأنه قد يكون للفرد في حياته يوم خير من العيد، كما وقع لـ كعب بن مالك حين كان مع الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك، فعندما تخلفوا عن تبوك وجاءوا يعتذرون قبل عذرهم إلا ثلاثة، ومنهم كعب بن مالك، حتى جاءت توبتهم من عند الله، وليس المخلفون الذين تخلفوا عن الغزوة، فالذي تخلف عن الغزوة عدد كثير، لكن كلهم جاءوا فاعتذروا فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظاهر الأمر، وترك حقيقتهم إلى الله إلا هؤلاء الثلاثة الذين صدقوا وقالوا: والله ما كان عندنا عذر فخلفوا عن قبول توبتهم وعذرهم، فيوم أن نزلت توبتهم وذهب إلى كعب رجل ونادى وقال: أبشر يا كعب، وركض إليه رجل بالفرس فكان صوت المنادي أسرع من ركض الخيل، فلما جاء الذي صرخ له أعطاه ثوبه الذي عليه وقال: والله ما عندي غيره، ثم استعار ثوباً من جماعته وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبله رسول الله بالبشر وقال له:(أبشر -يا كعب - بخير يوم طلعت عليك فيه الشمس من حين ولدتك أمك) ، فأسعد يوم مر عليك هذا اليوم، رغم أنه قد مرت عليه أعياد، وشارك في الجهاد، لكن هذا اليوم الذي تاب الله عليه فيه كان أسعد يوم مر عليه.
فالأيام السعيدة ذات الذكرى الجميلة قد تكون للفرد، وكلنا له يوم أو أيام حسب ظروفه ومشاغله، لكن لا يوجد للأمة يومان أفضل من يومي العيدين، وتقدم لنا أن الأعياد عند الأمم لمناسبات سببها حدث في يوم واحد تبقى ذكراه مع التكرار، لكن في الإسلام في كل سنة عيد حقيقي؛ لأن عيد الفطر عيد بصيام رمضان، وهذه نعمة كبرى؛ لأن الله وفق الناس وأعانهم على أنفسهم وعلى الشيطان والهوى، وحجزوا النفس عن الأكل والشرب والشهوات حتى أكملوا الشهر، كذلك الحج جاءوا من كل فج عميق، واجتمعوا في واد غير ذي زرع، وأدوا المناسك بحمد الله، فكان عيد الأضحى.
فهما يومان عظيمان مرتبطان بيومين متكررين وعبادتين متكررتين في كل سنة، والرسول صلى الله عليه وسلم انتقد اليومين ولم ينتقد اللعب، وأشعرهم أن الله قد أبدلهما خيراً منهما.