قال:(فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما) ، في عرض أبي حميد رضي الله عنه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا من الحركات: رفع اليدين حذو المنكبين، وتمكين يديه من ركبتيه، وهصر ظهره، ورفعه من الركوع، وبعد الرفع من الركوع سجد! إذاً: ليست هناك حركة بعد الرفع من الركوع ورجوع كل فقار مكانه وبين السجدة، رفع وانتظر حتى يرجع كل عظم مكانه، ولم يذكر وضع اليمين على اليسار بعد الرفع من الركوع، وممكن أن نقول: لم يذكره أيضاً عند قيامه للقراءة، قال: إذا كبر رفع، وإذا ركع أمكن، فلم يذكر وضع اليمنى على اليسرى عند القراءة، مع أن ذلك من السنة.
فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابض، والافتراش منهي عنه كما في الحديث:(نهى أن يفترش المصلي ذراعيه افتراش السبع) ، والافتراش هو: أن تجعل الذراع كاملاً على الأرض، والصحيح أن ترفع مؤخر الذراع، فالمرفق لا يكون ملاصقاً للأرض، وتضع اليدين فقط، أي: الكفين، وبقية الذراع لا تلصقه بالأرض؛ لأن التصاق الذراع بالأرض هي صفة السبع حينما يكون باركاً، فيقول العلماء: جاء النهي عن أن يتشبه الإنسان في صلاته بكثير من الحيوانات، فنهي عن افتراش السبع، وإقعاء الكلب، ونقر الديك، والتفات الثعلب، وأن يقف وقوف الفرس الشموس، وهو: أن يبادل بين قدميه؛ فمرة يعتمد على هذه ويرفع الأخرى، ثم يعتمد على الأخرى ويرفع تلك، أو ربما رفع إحدى قدميه عن الأرض، فكل ذلك جاء النهي عنه للمصلي، فلا يتشبه في صلاته بتلك الحيوانات.
(غير مفترش) أي: غير ممكن ذراعيه من الأرض، بل يكون مرتفعاً من الخلف، (ولا قابض) أي: لا يكون قابضاً لهما إلى جنبه، ويسجد بين يديه، وليس مفترشاً كالسبع، ولا ماددها طويلاً، ولا قابضها إلى جنبه.
وبعض الناس قد يغالي في وضع اليدين وعدم افتراشهما، وعدم قبضهما، ويجافي بيديه عن ضبعيه، ويكون ما بين منكبه وشاكلته قدر الذراع، وهذا إذا زاد عن الوضع الطبيعي يكون فيه شذوذ، لكن يكون معتدلاً، بخلاف المرأة فإنها تضم نفسها؛ لأنه أستر لها، ونقول لهذا الذي يفعل هكذا: المجافاة لها حد، فإذا كنت في الجماعة تفعل هكذا، والذي بجانبك يفعل هكذا، فأين يذهب الناس؟! إن كنت منفرداً فنعم، ولكن بغير صورة خارجة عن المألوف؛ لأن هذا يستدعي الانتباه، ويلفت النظر، وكل شيء جاوز حده فليس مطلوباً، لا إفراطاً ولا تفريطاً، لا تضمها إلى جسمك، ولا تجافي بها إلى حد النشوز والشذوذ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع يديه لا ذراعيه، ولا يفترش افتراش السبع.
قال:(واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة) ، أي: عند السجود يستقبل بأطراف أصابع قدميه القبلة، فينصب القدمين، ولا يضع رءوس أصابع القدمين على الأرض، فتكون الأظفار هي المرتكزة على الأرض، ولكن تنحني أصابع القدمين معها، هذه هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.