من الذي يعتمد عليه في الرؤية؟ إذا رآه مسلم عدل في أول دخوله اكتفي به، وهناك من ينقل عن الشافعي أنه يقول: لابد من شاهدي عدل.
وهل الإخبار عن رؤية الهلال شهادة أم إخبار؟ والفرق بين الخبر والشهادة دقيق جداً؛ لأن كلاً منهما يخبر عن مغيّب، والفرق بينهما: إذا كان مضمون الكلام -أي: مضمون الخبر- له علاقة بشخص ثالث غير المتكلم والسامع فهو شهادة؛ لأنه يشهد على إنسان ما، وإن كان موضوع الكلام لا يتوقف على شخص ثالث فهو خبر، حينما يقول: طلعت الشمس.
يريد أن يخبر السامع بطلوعها، فهل هناك شخص آخر يعنيه ذلك في هذا الخبر؟ لا، وإذا قال: سمعت زيداً يقول عند طلوع الشمس: أعط فلاناً كذا.
فهل هذا خبر أو شهادة؟ شهادة؛ لأنه يتعلق بحق شخص ثالث، ومن هنا: من اعتبر رؤية الهلال شهادة قال: لابد من اثنين {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ}[الطلاق:٢] ومن اعتبر رؤية هلال رمضان خبر فيكتفي بواحد، حتى المرأة، فخبر المرأة وخبر الرجل في باب الأخبار سواء، ونحن تأتينا الأحاديث برواية النساء، فهل نقول: هذه امرأة لا نقبل شهادتها؟ لا، فهي تقول: أنا لا أشهد، بل أخبرك بما سمعت؛ ولهذا ورد في الحديث:(جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عشية وقال: أشهد بالله أني رأيت الهلال.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي: ألا فافطروا وامضوا إلى المصلى غداً) ، وابن عمر قال:(تراءى الناس الهلال، فرأيته فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر الناس بالصيام) ، وكل هذا من باب الإخبار.
ومذهب الجمهور قبول خبر الواحد في دخول رمضان، ويتفقون على وجوب عدلين في خروج رمضان إلا من شذ، والفرق عندهم هو ما قدمنا أن اليقين لا يرفع بشك، كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي الذي شهد برؤية الهلال:(أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم.
قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟) سبحان الله! لم يقل: أتشهد أني، بل قال: أتشهد أن محمداً؛ لأن شخصية الرسالة ليست بالأنية، ولكنها المحمدية، قال الله:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}[البقرة:٢٨٥] ، ولم يقل: آمنت بما أنزل إليك من ربك، فقال:(نعم أشهد، فقبل منه ذلك واكتفى بهذا، وأمر الناس بالصيام) ففي دخول رمضان الأحوط أن نقبل خبر الواحد؛ احتياطاً لرمضان، وأما الخروج فنحن على يقين من صومنا، فلا يخرجنا خبر الواحد، ونحتاج إلى زيادة تأكيد، فإذا شهد عدلان خرجنا عن الصيام، وكان الشهر تسعةً وعشرين يوماً.