[وجوب تعريف الضالة سنة]
[ (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة) ] .
إذا لم تكن في صرة، كشنطة أو خُرج، أو شيء من هذه الأشياء التي جرت العادة أن توضع فيها الأمتعة، فالحجم قد يكون متفقاً، أو حتى أنهم في بعض حوادث الإجرام يأتون بشنطة مثل الشنطة ويحصل تبادل في الزحام، ويذهبون بالشنطة الحقيقة ويورطونه في شنطة أخرى، والشكل واحد، ممكن أن يقال في هذا: ما دام أن الشنطة لها أرقام، يقال له: بأي رقم تفتح؟ وهذه لا تكون بالتخمين، ولا يذكره إلا من هو عارف وحافظ، حتى إذا عرف أن أحداً عرف هذا الرقم قد يغيره.
إذاً: الغرض من هذا: التأكد من معرفة اللقطة بأوصافها، بحيث لو جاء إنسان وادعاها، صار هنا مدع، وهناك من يقول: عليه البينة، وهناك من يقول: وصف العفاص والوكاء هو بينة، ويؤكد هذا ابن القيم في الطرق الحكمية، فيقول: ليست البينة معناها شاهدي عدل، بل البينة فيعلة من البيان، وكل ما بين الحقيقة فهو بينة، ويستشهد لهذا: بما كان في السابق من بعض أصحاب البيوت التي تكون متجاورة، فصاحب البيت يجعل في جداره من الداخل طاقة في نفس الجدار، يعني: أن البناء كان على طوبة، وعند الطابق الأعلى على نصف الطوبة، ونصف الطوبة صار طاقة- المشكاة- فيأتي جاره ويبني بجواره ويكتفي بجدار جاره عن أن يقيم جداراً خاصاً له، وأن تطاول الزمان جاء الأولاد، وهدم بيت الجار الثاني، فادعى في الجدار القائم أنه له، قال الآخر: لا.
هذا لي،؛ فينظر الطاقة في جهة من؟ من المعروف أن الباني يجعل الطاقة في جهته من داخل الغرفة لا يجعلها من الخارج، فإذا كانت الطاقة جهة اليمين داخل الغرفة فهي لمن هي في جهته، ويكون الثاني ليس له في الجدار شيء، فتكون قرينة ودلالة وبينة على أن الجدار للجار الذي تفتح الطاقة إلى جهته، ويذكرون أمثلة عديدة في هذا.
فالغرض من تعريف العفاص والوكاء، وإذا قيل العدد، والشكل واللون كل ذلك من باب التأكيد على أن من جاء وادعاها فهذه البينة دليل على أنه صاحبها.
[ (اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة) ] .
جاء في بعض الروايات: (سنتين، ثلاث، خمس) ، وفي حديث أُبي: أنه لما وجد كيساً فيه مائة دينار، فقال له: (عرفها حولاً، قال: عرفت حولاً فما جاءني أحد؟ فأتيت الرسول فقال: عرفها حولاً) إذاً: (عرفها سنة) هذا الحد الأدنى، وهو المعمول به عند الجميع، فقالوا: إن قضية أبي أو غيره سنتين أو ثلاث أو خمس لها حكم شيء آخر.
وبعضهم يقول في المحقرات: إذا أردت أن تعرفها فتعريفها يكون ثلاثة أيام.
وكيفية تعريفها بماذا تحصل؟ قالوا: أولاً: يعرفها في المكان الذي وجدها فيه إن كان آهلاً بالناس؛ كمن وجدها في السوق، فعليه أن يعرفها في محل ما وجدها، ويذكر لأصحاب المحلات التي حول المكان أنه وجد لقطة هنا، ومن سألكم عن شيء ضائع له فهو عندي، ولا تقل: لقطة فيها كذا أو صفتها كذا، بل تذكر فقط أنك وجدت لقطة، فإذا كانت عزيزة على صاحبها وتتبعها همته، فسيأتي ويسأل، فتسأله: ما نوعها؟ فإن ذكر الأوصاف كما تقدم، فهي له، وإن ذكر البعض، فقالوا: البعض لا يكفي؛ لأنه قد يكون من باب الصدفة.
ثانياً: في المجتمعات للناس كالأسواق، ثم على أبواب المساجد، ولا يكون داخل المسجد؛ لما ورد في الحديث: (إذا سمعتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا له: لا ردها الله عليك) ، يعني: يعامل بنقيض قصده؛ لأنه ينشدها من أجل أن يحصل عليها، ولأن المساجد لم تبن لذلك، إنما بنيت لذكر الله وما والاه، لكن يطوف على باب المسجد: وجدت لقطة في اليوم الفلاني، من سأل عنها فهي عندي.
ثم قالوا: عرفها مبدئياً: يومياً لأسبوع، ثم يوم في الأسبوع، ثم يوم في الشهر، ثم كل ثلاثة أشهر مرة، إلى أن تنتهي السنة.