[عمل أبي هريرة ومن خالفه في ذلك]
قالوا: كان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يغسل يديه إلى المنكب، فقيل: ما هذا يا أبا هريرة؟ قال: أطيل غرتي وكذلك كان يرفع في غسل القدمين إلى الركبة أو إلى نصف الساق.
والمفروض إلى الكعبين، فكان هو يرفعها ويقول: أطيل غرتي.
وذكر بعض السلف رحمهم الله فقال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فوق سطح المسجد، فغسل إلى كذا، فسألته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين) .
وغرض المؤلف التأكيد على استيعاب الفرض، وأنه لا مانع من الزيادة، وبيان خصوصية هذه الأمة.
وبعض الناس يقول: الوضوء خاص بهذه الأمة ولكن لا يصح؛ لأنه قال: (إن أمتي يأتون) ومفهوم هذا: أن بعض الأمم الأخرى لا تأتي بهذا، فقالوا: لا وضوء في الأمم الأخرى.
ولكن النصوص جاءت بالوضوء في زمن الأنبياء من قبل، وفي الأمم الماضية فيكون الوضوء ثابتاً للأمم الماضية؛ ولكن آثار الوضوء بالغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة، فالوضوء تشريع عام في جميع الأمم ولكن ظهور آثار الوضوء بالغرة والتحجيل من خصائص هذه الأمة.
وبعض العلماء يقول: هل قوله: (فمن استطاع أن يطيل) من قول النبي صلى الله عليه وسلم، أم أنه مدرج في الحديث من قول أبي هريرة؟ أي أنه أخذه من قوله: (أمتي يأتون غراً محجلين) ، واستنبط من ذلك أنه كلما طال الغسل في عضو الوضوء طال النور فيه، فقال: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) .
فبعض العلماء يقول: هذه الزيادة مدرجة من أبي هريرة، وهذا اجتهاد منه لِمَا فهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء) ، ويؤيد أنها مدرجة، ومن فعل أبي هريرة ومن فهمه أنه لم يُنقل عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن رسول الله نفسه أنه جاوز بغسل اليدين المرفق، كما جاء عنه: (وأدار الماء على مرفقيه) .
أما أن يشرع إلى الساق أو إلى المنكب فلم يأتِ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة، ولهذا قالوا: انفرد بهذه الصفة قولاً وفعلاً أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.
وإذا كان انفرد بها الصحابي وخالفه الآخرون نقول: هذا عمل شاذ انفرد به، ويبقى العمل على ما ثبت من السنة وعمل جمهور الصحابة، وينتهي غسل اليد إلى المرفق كما في نص الآية الكريمة: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] .
والرسول صلى الله عليه وسلم بين بأن المرفق داخل في الغسل، لما جاء في الحديث: (أدار الماء على مرفقيه) أي: من أول الساعد.
نأتي إلى جو الحديث وما أشرنا إليه من عمومه أو شموله أو سببه: