[تشييع الجنازة من حق المسلم على المسلم]
تشييع الجنازة حق للميت على المسلم، فتؤدي الحق الذي عليك وتأخذ قيراطاً مثل أحد! هذا والله فضل عظيم.
جاء في الحديث الصحيح: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه) أي: بلفظ: السلام عليكم، ومن آداب السلام: أن يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على الجالس.
فإذا لم يسلم من عليه الابتداء بالسلام، فمن حق الثاني أن يقول له: أعطني حقي! لأن عدم السلام يدل على أن في النفس شيئاً، وقد جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه مر بـ عثمان وهو جالس فسلم عليه، فلم يرد عثمان عليه السلام، فذهب إلى أبي بكر واشتكى، ولما تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنها، كان عمر قد عرضها على عثمان، فقال عثمان: ليس عندي نية الزواج الآن، وكان الأفضل أن يقول: جزاك الله خيراً، دعني أفكر في الموضوع، لكن رد ذلك العرض، فكانت هناك سابقة في النفس قليلة.
ثم عرضها على أبي بكر فلم يرد عليه بخير ولا بشر، فجاء واشتكاهما إلى رسول الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم طيب خاطره وقال (يتزوج حفصة من هو خيرٌ من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خيرٌ من حفصة) فقدر الله أن تزوجت حفصة خيراً من عثمان وهو رسول الله، وتزوج عثمان خيراً من حفصة، وهي بنت رسول الله الثانية.
الشاهد أن عمر سلم على عثمان فلم يرد عليه السلام، فذهب واشتكاه إلى أبي بكر، ولو لم يكن له حق في هذا السلام لما اشتكاه؛ لكنه حق الأخوة.
وتمام القصة: أنه ما وصل عمر إلى أبي بكر إلا وعثمان وراءه يقول: السلام عليكم، فقال أبو بكر لـ عثمان: وماذا وراءك يا عثمان؟! أخوك عمر يسلم عليك فلم ترد عليه السلام، قال: والله ما سمعته ولا شعرت به! فقال أبو بكر: فيم كنت تفكر؟ قال: أمور لو أننا سألنا رسول الله عنها، وذكر غيرها، فقال أبو بكر والله لقد كنت أفكر فيها قبلك.
نعود إلى الحديث (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم، إذا استنصحك فانصح له، إذا دعاك فأجبه، إذا عطس فحمد الله فشمته، إذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) فهذه حقوق للمسلم على المسلم من أول ما يلاقيه إلى أن يدفنه، وهي حقوق إسلامية عامة، بخلاف حقوق الجوار، وبر الوالدين، وقضاء الدين الذي عليه، فهذه حقوق خاصة، ليس سببها مجرد أخوة الإسلام.
فهذه الحقوق التي لمطلق أخوة الإسلام، منها أن المسلم إذا مات، فله حقٌ على إخوانه المسلمين أن يشيعوه، ومع هذا فللمشيع إذا قام بهذا الحق قيراطان.
(قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) متفق عليه، ولـ مسلم: (حتى توضع في اللحد) فإذا شُقَّ له شقاً، فالحكم كذلك؛ لانتفاء الفارق بين اللحد والشق، لأن المعنى: حتى يوضع في مكانه الأخير.
وللبخاري أيضاً من حديث أبي هريرة: (من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معها حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها؛ فإنه يرجع بقيراطين، كل قيراط مثل جبل أحد) .
هذا الحديث الثاني بيَّن المجمل في الحديث الأول، حيث أطلق القيراطان عن تحديدها؛ فجاء المؤلف -لفقهه- بالحديث الثاني، وبيَّن لنا الإجمال الموجود في الحديث السابق، بأن الجبلين العظيمين كل منهما كجبل أحد، وهذا مثال على بيان المجمل.