وجاء الحديث بلفظ:(من غشنا) وهذا اللفظ قاصر على المسلمين، لكن رواية:(من غش) عامة تشمل المسلم وغير المسلم؛ لأن في قصر هذا الحكم على المسلمين اتهاماً للإسلام، وتقبيحاً للإسلام في أعين غير المسلمين، فإذا وجد اليهودي أو النصراني أن المسلم يغشه فماذا سيقول عن الإسلام؟! ولكن حينما يرى العدل والحق يطبق على المسلم وعلى غير المسلم، يعرف أن الإسلام هو الدين الحقيقي.
وقد ذكرنا قصة علي مع اليهودي، في الدرع الذي سقط من علي وأخذه اليهودي، فقال له علي: هذا درعي.
فقال: بل هو حقي وهو في يدي، فقال: نحتكم إلى القاضي.
فذهب علي باليهودي إلى القاضي شريح،.
فقال: ما قضيتكما؟ قال علي: هذا درعي في يد اليهودي، فقال القاضي: ما تقول يا يهودي؟ قال: بل هو درعي وفي يدي، فقال القاضي: ألك بينة يا علي؟ قال: نعم، قنبر والحسن بن علي، فقال: أما قنبر فغلامك وعتيق فنعم، وأما الحسن فابنك، فلا نقبل شهادته لك، قال: أما تخشى الله؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) ، وأنت ترد شهادته! قال: والله ما رددت شهادته، وإني لأعلم أنه وأخاه سيدا شباب أهل الجنة، ولكن ولدك لا يشهد لك؛ لأن الشرع جعل ذلك موضع اتهام، فهل عندك شاهد آخر؟ فقال: لا، فقال القاضي: اذهب يا يهودي! بالدرع، فخرجا، حتى إذا كانا عند الباب وقف اليهودي مبهوتاً، وقال: يا علي! أهكذا القضاء عندكم؟! قاضيك الذي نصبته أنت يطالبك بالبينة على يهودي! ويرفض شهادة سيد شباب أهل الجنة؛ لأنها شهادة رجل لأبيه؟! قال: نعم، هذه عدالة الإسلام، فقال: أشهد أنه الدين الحق، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والدرع لك، فإنه سقط عن راحلتك فأخذته، وقد أنكرتك لأنظر ماذا ستفعل بي وأنت الخليفة، وماذا سيحكم القاضي وهو من وليت، أما والأمر كذلك فإن هذا درعك، فما كان من علي رضي الله تعالى عنه إلا أن قال: هو لك، ومعه مائتا درهم.
لأنه أظهر صدق علي، وإلا لكان علي قد ادّعى دعوى غير ثابتة.
والذي يهمنا أن قوله:(من غش) على عمومه، فتشمل حتى الكافر، أما إذا كان حربياً، فإن دم الحربي مباح، أما الذمي المعاهد المقيم فله حق الإقامة، فهو معصوم الدم والمال، ولا يجوز الاعتداء عليه؛ لأن ولي الأمر أعطاه أمان الإقامة، فلا ينبغي لإنسان أن يغشه، ولا يجوز أن يتعامل معه تعاملاً ربوياً.