شرح حديث:(كانت النفساء تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً)
قال رحمه الله: [وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت النفساء تقعد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد نفاسها أربعين يوماً) رواه الخمسة إلا النسائي واللفظ لـ أبي داود، وفي لفظ له:(ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس) ، وصححه الحاكم] .
المؤلف رحمه الله انتهى من مباحث الحيض، ولكنه لم يبين لنا مدة الحيض صراحة، ولكن ذكر حديث المستحاضة: تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام، والفقهاء حددوا أقل مدة الحيض وأكثره، فالحنفية قالوا: أكثر الحيض عشرة أيام، والجمهور على أنه خمسة عشر يوماً، وأقله يوم وليلة، وغالبه سبعة أيام.
فأقل الحيض وأكثره معلوم عند العلماء والحمد لله، علماً بأن حالات النساء تختلف، ولكن جعلوا هذا هو الحد الأقصى والحد الأدنى، فما كان من دم دون الحد الأدنى فليس بحيض، وما كان من دم فوق الحد الأعلى فليس بحيض.
ودم النفاس يأخذ حكم دم الحيض في ترك الصلاة، وترك الصيام، وترك القراءة، وعدم حمل المصحف، وتحريم الوطء، فدم النفاس ودم الحيض في ذلك سواء، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض نفاساً كما في قوله:(لعلك نفست؟) ، فإلى متى تجلس المرأة بعد نفاسها؟ هذا الحديث يبين أقصى مدة الدم في النفاس، وأقل دم النفاس لحظة، فلو نفست اليوم وانقطع دمها غداً ولم تر شيئاً فقد طهرت، وتأخذ حكم الطاهر، وليس بلازم أن تستمر إلى أربعين يوماً إلا في الجماع من باب الندب؛ لأنها بعد الولادة ليست مستعدة للجماع، والمحل غير صالح، فإذا كملت الأربعون يوماً صار الرحم يقبل ما كان يقبله قبل الحمل، وهل هذا محل اتفاق؟ ليس محل اتفاق، هناك من يرى أن أقصى النفاس خمسون يوماً، وبعضهم يراه ستين يوماً، والعبرة بغالب حالات النساء، وقد أشرنا أن دم الحيض ودم النفاس يختلف في أسرة دون أسرة، ويختلف في قرية دون قرية، ويختلف في إقليم دون إقليم، ويختلف في فصل دون فصل، فهو في الأيام الباردة غير الأيام الحارة.
قالوا: أقصى ما تجلس النفساء بعد دم النفاس أربعون يوماً، وهناك من قال: خمسون، أو خمسة وخمسون، أو ستون، وليس بعد الستين خلاف.
لو أن المرأة ولدت ونزل الدم، وفي آخر النهار انقطع عنها الدم، فهل انتهت من نفاسها أم لابد أن تجلس أربعين يوماً؟ انتهت، وإذا ولدت ولم ينزل ولا قطرة دم فهل لازم أن تجلس أربعين يوماً أم ليس هناك دم نفاس؟ ليس هناك شيء، وهذه ولادة الجفوف، فبعض النسوة تلد المولود ولا ينزل معه دم، فبنزول الولد ينتهي نفاسها، ولا تحتاج أن تجلس أي مدة بعد نزول الولد إذا لم يوجد الدم.
إذاً: هذا الحديث يبين لنا الحد الأقصى الذي تجلسه المرأة في نفاسها، فإذا زاد عن الأربعين يوماً خمسة أيام فماذا نعتبر هذه الأيام الخمسة؟ يقول الفقهاء: إن كانت الزيادة وافقت زمن حيضتها فهي حيض، أي: أنها انتقلت من نفاس إلى حيض، فتترك الصلاة والصوم، فمثلاً: كانت ترى الحيضة يوم ثلاثة وعشرين من كل شهر، فنفست، وبعد الأربعين يوماً صادف يوم ثلاثة وعشرين، وهو زمن حيضتها، فتترك الصلاة؛ لأنها انتقلت من نفاس إلى حيض.
أما إذا كانت حيضتها تأتيها في أول الشهر أو في نصف الشهر، وانتهى دم نفاسها يوم خمسة وعشرين من الشهر، ولكن استمر الدم إلى يوم الثلاثين، فهذه الخمسة الأيام الزائدة من بعد يوم خمسة وعشرين التي هي نهاية الأربعين تكون استحاضة، والله تعالى أعلم.