قال رحمه الله تعالى: [وعنه رضي الله عنه (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأذنيه ماءً غير الماء الذي أخذه لرأسه) أخرجه البيهقي، وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ:(ومسحهما بماء غير قبض يديه) ، وهو المحفوظ] .
هذه صورة أخرى يسوقها عبد الله بن زيد في صفة مسح النبي صلى الله عليه وسلم أذنيه، وفي هذا الباب حديث عبد الله بن عمرو:(أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح رأسه وأدخل السباحتين) ، وسميتا بالسباحتين لأنهما لتحركان عند التسبيح، وعند والتشهد، وعند لفظ (أشهد أن لا إله إلا الله) ، وإن كان الأحناف يعادون تحريكها في التشهد معاداة شديدة؛ لأنهم يدخلونها في أبواب التوحيد والجهة وغير ذلك.
فأدخل السباحة في أذنيه، وأدار الإبهام خلف الأذنين، وهذه الإدارة لأن خلف الأذن أسرع ما يتراكم فيه العرق، حتى تجد أن بعض الحيوانات ما يظهر العرق إلا حول أذنها وبعضهم يقول: خلف الأذن من الأسفل مقتل، فإذا أدار الإبهام خلف الأذنين أزال ما تبقى من العرق، ومن مواد دهنية في تلك المنطقة؛ لأنها إذا تركت على ما هي عليه من العرق والمواد الدهنية، وحصل جرح فإنه أبطأ ما يكون شفاءً؛ لأنها منطقة ناعمة لا تتحمل، فالعلاج فيها بطيء، والجرح فيها سريع، وهذا من العناية.
فعني بالأنف كمجرى للهواء، وعني بالفم كمجرى للطعام، وكذلك عني بتخليل نعومة الأصابع لليدين والرجلين، وكذلك عني بما وراء الأذنين.
وقوله:(مسح برأسه وأدخل السباحتين في أذنيه) يفهم منه أنه أدخل السباحتين بماء مسح الرأس، ولم يأخذ لهما ماء جديداً ليدخلهما في الأذنين، فيكون مسح الأذنين مع الرأس عملية واحدة.
وهنا عبد الله بن زيد يخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماء جديداً لمسح أذنيه، غير الماء الذي مسح به رأسه، فالأذنان لهما ماء مستقل ومسحة مستقلة، وهنا يبحث الفقهاء في الحديثين، ويقولون: هل الأذنان من الرأس فيجزيهما مسحة واحدة، أو أن الأذنين خارجتان عن حدود الرأس، ولهما مسحة مستقلة؟ والحديث الأول يشعر بأنه مسح الأذنين بماء مسح الرأس، وهذا الحديث ينص على أنه أخذ ماء جديداً، والعلماء رحمهم الله يجمعون بين الحديثين فيقولون: إن كان الماء وافراً في يديه عند مسح الرأس فإنه يمسح الأذنين بوفرة ماء الرأس، ولا يأخذ ماء جديداً، وإذا كان الماء ليس وافراً عند مسح الرأس، وظن أن المسح على الرأس استنفد الماء الذي في الأصابع أخذ ماء جديداً، وهذا هو الجمع بين الحديثين.