قال المؤلف رحمه الله: [وعن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع، فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج، وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج، فما سئل يومئذٍ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج) متفق عليه] .
هذا الحديث من أجمع أحاديث الحج، وأيسرها على الحجاج، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم العيد فأخذوا يسألونه، هذا يقول: يا رسول الله! ما شعرت، يعني: نسياناً وسهواً لا عمداً، حلقت قبل أن أنحر، قال: انحر ولا حرج، والترتيب الطبيعي لأعمال هذا اليوم هي كالآتي: أولها: رمي جمرة العقبة، وثانيها: نحر الهدي، وثالثها: حلق الرأس، ورابعها: طواف الإفاضة.
أما رمي جمرة العقبة فإنها تحية منى، وهذا باتفاق، وأما النحر قبل الحلق فلقوله سبحانه:{وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:١٩٦] ثم بعد الحلق النزول لطواف الإفاضة، هذا هو الترتيب الطبيعي، فإذا سها إنسان أو جهل وغيّر في هذا الترتيب فلا شيء عليه؛ لأن هذا السائل قال: ما شعرت حلقت قبل أن أنحر -مع أن النحر كان أول- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: افعل ولا حرج، أي: ما دام أن هذا الشيء قد وقع، ونلاحظ أن الأسئلة هنا هي عن أمور قد وقعت بالفعل، وفرق بين كون الشيء وقع فعلاً وبين كونه سيقع، ولم يوجد أحد قال: أنا أريد أن أحلق قبل أن أنحر، وإنما كل من سأل كان يسأل أسئلة عملية واقعية، وما دام أن الأمر قد وقع فهل نرفع الواقع؟ الجواب: لا نرفعه، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن أجاز هذا العمل؛ التماساً لقوله: لم أشعر أي: أنا ناسٍ أو جاهل، فماذا أفعل؟ قال:(افعل ولا حرج) ، إذاً: أجاز المغايرة بين الرمي والحلق فقال: (افعل ولا حرج) ، وكذلك قال آخر: نحرت قبل أن أرمي، فقال له:(ارم ولا حرج) ، ثم يأتي الراوي بقضية وقاعدة عامة فقال: فما سئل عن شيء ذلك اليوم قدم أو أخر إلا قال: (افعل ولا حرج) ، وما هو الذي سيقدم أو يؤخر في ذلك اليوم؟ هو ما ذكرنا: الرمي والنحر والحلق والإفاضة، أيها قدم سهواً أو جهلاً أو نسياناً، فلا حرج في ذلك ولا شيء على من قدم أو أخر.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.