للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم صلاة تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب]

وأهم ما يقال في هذا أن الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب جلس فسأله، ثم أمره، فيأتي الكلام في هذا الحديث من جهة تحية المسجد، والصلاة وقت النهي عن النوافل، والاشتغال عن الخطبة، وقد جاء به المؤلف بعد الأمر بالإنصات والنهي عن تنصيته، فما حكم هذا الحديث مع ما تقدم؟ إن أكثر العلماء جعلوا بين الحديث الذي معنا والذي قبله تعارضاً؛ لأن الأول فيه: (والذي يقول أنصت ليست له جمعة) ، وهذا سيشتغل بصلاة ركعتين والإمام يخطب، فهل أنصت؟ قالوا: اشتغل عن الإنصات والإصغاء للخطيب بالصلاة فحصل تعارض، ومن هنا وقع الخلاف بين الأئمة رحمهم الله.

وابن حجر يقول: الشافعي رحمه الله ومن وافقه يقولون: يصلي لهذا النص، ويجيبون عن حديث الإنصات بأجوبة أوصلها ابن حجر إلى تسعة أجوبة، والآخرون وهم مالك ومن وافقه يقولون: لا يصلي.

فـ الشافعي عمل بهذا النص في هذا الموطن، ومالك وأهل المدينة جميعاً ما عدا ابن المسيب عملوا بالأحاديث الأخرى، وقالوا: لو أن كل داخل سيكلمه الخطيب بأن يقوم لاشتغل الخطيب بتنبيه الناس عن الخطبة، ولحصل تقطيع الخطبة وعدم المتابعة، فقالوا: لا يصلي.

ثم بنوا الكلام على كون الإصغاء فرضاً أو ليس بفرض؟ ثم هل تحية المسجد واجبة أو سنة؟ ثم على وقت النهي، ونحن نعلم أن أوقات النهي سبعة، منها حين الخطبة.

ولكن الذين يقولون بحديث سليك قالوا: النهي عن الصلاة وقت الخطبة للحاضر الجالس الموجود قبل أن يأتي الإمام، فلا يحق له بعد مجيء الإمام وصعوده المنبر وشروعه في الخطبة أن ينشئ صلاة النافلة؛ لأنه مطالب بأن يصغي إلى الإمام وأن ينصت، أما القادم من الخارج فهو خارج عن هذا النهي.

والآخرون أيضاً كـ الشافعي قالوا: إذا صح أن يصلي القادم وقت الخطبة وهي وقت نهي فإن النهي لا يتناول عموم ذوات الأسباب، وجعلوه من أدلتهم؛ لأنه أجاز له النبي صلى الله عليه وسلم، بل أمره أن يصلي وقت النهي وهو وقت الخطبة، والجمهور قالوا: إن هذه قضية عين في هذا الشخص ولعل لها أسباباً.

وقالوا: من أسبابها أن سليكاً دخل بثياب رثة، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد له أن يقوم فيصلي فيراه الناس لعلهم يتصدقون عليه، وأجيب عن ذلك بأن ذلك تكرر منه ثلاث مرات، وفي أول مرة تصدق عليه بثوبين، ففي المرة الثانية جاء وعليه ثوبٌ منهما وقد تصدق بالثوب الثاني، فقيل له: لا تفعل.

أي: لا تتصدق وأنت محتاج، فحمل بعضهم قول (لا تفعل) على أن المراد: لا تجلس حتى تصلي ركعتين وإذا جئنا إلى مجمل القول في تحية المسجد فإننا نعلم جميعاً بأنها من السنن وليست من الواجبات.

وقد استدل ابن حزم وغيره بحديث الرجل الذي جاء من نجد وسأله: (ماذا فرض الله عليَّ من الصلوات؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة) ، قالوا: لو أننا جعلنا تحية المسجد واجبة كالظهر والعصر لكان المكتوب ستاً لا خمساً، بل قد تكون عشراً، فكلما دخل وجب عليه أن يصلي، ولكن جنسها يكون سادساً مع الخمس.

فهي سنة وليست بواجبة.