وننتقل إلى ما كان مكيلاً ولا يدخر، وما كان مكيلاً مدخراً وليس قوتاً، مثل الفواكه: فالفواكه ليست مكيلة ولا مدخرة، فإذا جففت صارت مكيلة مدخرة، ولكن لا تكون قوتاً.
كذلك وجدنا التين غير مدخر وكما يقول بعض العلماء: إن مالكاً ينص على أن التين والتفاح والرمان والخوخ لا زكاة فيه، فقال قائل: لأن التين لم يكن يجفف في بلد مالك، ولو علم أن أنه يجفف لقال به، يا سبحان الله! هو ما يجفف هنا ولكنه يأتي مجففاً من الشام؛ لأن تجارة الشام كانت تأتي إلى المدينة وفيها التين والمشمش مجففاً.
وعلى هذا: من أدخل التين في القوت يقول: ألحقوه بالزبيب، ومن أخرجه عن نطاق القوت جعله مع بقية الفواكه، وهكذا.
ثم جاءت الآثار عن السلف مختلفة، منها المرسل، ومنها المرفوع، ومنها المنقطع، وقد ناقشها العلماء مناقشة كافية، وأنصح كل طالب علم يريد تحقيق هذه المسألة أو يقف على ما قيل فيها من كتب التفسير أن يقرأ كتاب القرطبي، ومن كتب الفقه المجموع للنووي، والمغني لـ ابن قدامة، وبداية المجتهد لـ ابن رشد، فهذه الكتب إن شاء الله ستكفي طالب العلم فيما أوردوا فيها رحمهم الله من الخلاف والنقاش لما تجب فيه الزكاة أو لا تجب بعد هذه الأصناف الأربعة.
والعمدة في ذلك: هل الزكاة في تلك الأصناف الأربعة لذواتها ومسمياتها أو لعلة فيها؟ قال ابن رشد: أما لذواتها فهذا وصف طردي، إذاً: الأرجح أن تكون لعلة فيها، فما هي العلة؟ قالوا: أن تجتمع فيها ثلاث صفات: الكيل، والادخار، والاقتيات، فما ساواها في هذه الصفات الثلاث ألحق بها قياساً، وما لم يساوها في ذلك أخرج عنها، ولا يصح القياس فيها.
وأجمعوا على أن الفاكهة والخضروات لا تدخر وليست قوتاً.